الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران: ٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا أَعْلَامَ اللَّهِ وَأَدِلَّتَهُ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَأُلُوهَتِهِ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ لَهُ وَاتَّخَذُوا الْمَسِيحَ إِلَهًا وَرَبًّا، أَوْ ادَّعُوهُ لِلَّهِ وَلَدًا، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ﴾ [آل عمران: ٤] مِنَ اللَّهِ ﴿شَدِيدٌ﴾ [البقرة: ١٦٥] يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الَّذِينَ جَحَدُوا آيَاتِ اللَّهِ، وَآيَاتُ اللَّهِ أَعْلَامُ اللَّهِ وَأَدِلَّتُهُ وَحُجَجُهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ [آل عمران: ٤] أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ الْفَصْلُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٤] يَعْنِي أَنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا ذَلِكَ الْفَصْلَ وَالْفُرْقَانَ الَّذِي أَنْزَلَهُ فَرْقًا بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [آل عمران: ٤] وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ عَانَدَ الْحَقَّ بَعْدَ وُضُوحِهِ لَهُ، وَخَالَفَ سَبِيلَ الْهُدَى بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ عَزِيزٌ فِي سُلْطَانِهِ لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِمَّنْ أَرَادَ عَذَابَهُ مِنْهُمْ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَانِدَهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَأَنَّهُ ذُو انْتِقَامٍ مِمَّنْ جَحَدَ حُجَجَهُ وَأَدِلَّتَهُ، بَعْدَ ثُبُوتِهَا عَلَيْهَا، وَبَعْدَ وُضُوحِهَا لَهُ وَمَعْرِفَتِهِ بِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ -[١٨٥]- جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران: ٤] «أَيْ أَنَّ اللَّهَ مُنْتَقِمٌ مِمَّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا»