وَأُثْبِتَتْ حُجُجُهُنَّ وَأَدِلَّتِهِنَّ عَلَى مَا جُعْلِنَ أَدِلَّةً عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَثَوَابٍ وَعِقَابٍ، وَأَمْرٍ وَزَجْرٍ، وَخَبَرٍ وَمَثَلٍ، وَعِظَةَ وَعِبَرٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ بِأَنَّهُنَّ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُنَّ أَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي فِيهِ عِمَادُ الدِّينِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ، وَسَائِرِ مَا بِالْخَلْقِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَمَا كُلِّفُوا مِنَ الْفَرَائِضِ فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُنَّ أُمَّ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُنَّ مُعْظَمُ الْكِتَابِ، وَمَوْضِعُ مَفْزَعِ أَهْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ، تُسَمِّي الْجَامِعَ مُعْظَمَ الشَّيْءِ أُمًّا لَهُ، فَتُسَمِّي رَايَةَ الْقَوْمِ الَّتِي تَجْمَعُهُ فِي الْعَسَاكِرِ أُمَّهُمْ، وَالْمُدَبِّرَ مُعْظَمِ أَمْرِ الْقَرْيَةِ وَالْبَلْدَةِ أُمَّهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَوَحَّدَ أُمَّ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَجْمَعْ فَيَقُولُ: هُنَّ أُمَّهَاتُ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَالَ هُنَّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ أُمَّ الْكِتَابِ، لَا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، لَكَانَ لَا شَكَّ قَدْ قِيلَ: هُنَّ أُمَّهَاتُ الْكِتَابِ، وَنَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [سورة: آل عمران، آية رقم: ٧] عَلَى التَّأْوِيلَ الَّذِي قُلْنَا فِي تَوْحِيدِ الْأُمِّ وَهِيَ خَبَرٌ لِ «هُنَّ» قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [سورة: المؤمنون، آية رقم: ٥٠] وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَجَعَلْنَا جَمِيعَهُمَا آيَةً، إِذْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا فِيمَا جَعَلَا فِيهِ لِلْخَلْقِ عِبْرَةً، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْخَبَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، بِأَنَّهُ جُعِلَ لِلْخَلْقِ عِبْرَةً، لَقِيلَ: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ