بِالْمُحْكَمَاتِ مِنْ آيِ كِتَابِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِيمَنْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ مَعْنِيُّ بِهَا كُلُّ مُبْتَدِعٍ فِي دِينِ اللَّهِ بِدْعَةً، فَمَالَ قَلْبُهُ إِلَيْهَا، تَأْوِيلًا مِنْهُ لِبَعْضِ مُتَشَابِهِ آيِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ حَاجَّ بِهِ وَجَادَلَ بِهِ أَهْلَ الْحَقِّ، وَعَدَلَ عَنِ الْوَاضِحِ مِنْ أَدِلَّةِ أَيِّهِ الْمُحْكَمَاتِ إِرَادَةً مِنْهُ بِذَلِكَ اللَّبْسَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَطَلَبًا لَعِلْمِ تَأْوِيلِ مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَيَّ أَصْنَافِ الْبِدْعَةِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ كَانَ أَوِ الْيَهُودِيَّةِ أَوِ الْمَجُوسِيَّةِ، أَوْ كَانَ سَبَئِيًّا، أَوْ حَرُورِيًّا، أَوْ قَدَرِيًّا، أَوْ جَهْمِيًّا، كَالَّذِي قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»
وَكَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَذُكِرَ عِنْدَهُ الْخَوَارِجُ وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ الْفِرَارِ، فَقَالَ: " يُؤْمِنُونَ بِمُحْكَمِهِ، وَيَهْلِكُونَ عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧] " الْآيَةَ وَإِنَّمَا قُلْنَا: الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ [آل عمران: ٧] لِأَنَّ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِطَلَبِ تَأْوِيلِ مَا طَلَبُوا تَأْوِيلَهُ اللَّبْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالِاحْتِجَاجَ بِهِ عَلَيْهِمْ لِيَصُدُّوهُمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَلَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَالَ: فَعَلُوا ذَلِكَ إِرَادَةَ الشِّرْكِ، وَهُمْ قَدْ -[٢١٥]- كَانُوا مُشْرِكِينَ


الصفحة التالية
Icon