وَهَذَا أَيْضًا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ [الأنفال: ٤٤] فَأَخْبَرَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قُلِّلَ عَدَدُهُمْ فِي مَرْأَى الْأُخْرَى. وَقَرَأَ آخَرُونَ ذَلِكَ: «تُرَوْنَهُمْ» بِضَمِّ التَّاءِ، بِمَعْنَى: يُرِيكُمُوهُمُ اللَّهُ مِثْلَيْهِمْ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٣] بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَيْهِمْ، يَعْنِي مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ لِتَقْلِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ فِي حَالٍ، فَكَانَ حَزْرُهُمْ إِيَّاهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ عَنِ التَّقْلِيلِ الْأَوَّلِ، فَحَزَرُوهُمْ مِثْلَ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَقْلِيلًا ثَالِثًا، فَحَزَرُوهُمْ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ
كَمَا: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: تَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً، قَالَ: فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْنَا كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا "
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ كَانَتْ «تُرَوْنَهُمْ»، لَكَانَتْ «مِثْلَيْكُمْ»


الصفحة التالية
Icon