مِنْهُمْ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، بِدَعْوَى تَأْوِيلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ زَعَمَ أَنَّهُمَا قَالَاهُ وَقَرَآ بِهِ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ مَا ادَّعَى عَلَيْهِمَا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَكَفَى شَاهِدًا عَلَى خَطَأِ قِرَاءَتِهِ خُرُوجُهَا مِنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. فَالصَّوَابُ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ فَتْحُ الْأَلْفِ مِنْ «أَنَّهُ» الْأُولَى، وَكَسْرُ الْأَلْفِ مِنْ «إِنَّ» الثَّانِيَةِ، أَعِنِّي مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩] ابْتِدَاءً. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلٌ كَالدَّالِّ عَلَى تَصْحِيحِ مَا قَرَأَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي فَتْحِ «أَنَّ» مِنْ قَوْلِهِ: (أَنَّ الدِّينَ)
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [آل عمران: ١٨] إِلَى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ٦] «فَإِنَّ اللَّهَ يَشْهَدُ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْعُلَمَاءُ مِنَ النَّاسِ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» فَهَذَا التَّأْوِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ فِي «أَنَّ» الثَّانِيَةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: (أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جَائِزٌ فِي «أَنَّ» الْأُولَى وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأُولَى مَنْصُوبَةً عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، بِمَعْنَى: شَهِدَ اللَّهُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ، فَتَكُونُ مَفْتُوحَةً بِمَعْنَى الْخَفْضِ فِي مَذْهَبِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِمَعْنَى النَّصَبِ فِي مَذْهَبِ بَعْضِهِمْ، وَالشَّهَادَةُ عَامِلَةٌ فِي «أَنَّ» الثَّانِيَةِ، كَأَنَّكَ قُلْتَ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، ثُمَّ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ فَفَتْحُهَا عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ.