عَقْلٍ مِنْ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: كَفَّلَ فُلَانٌ فُلَانًا فَكَفَلَهُ فُلَانٌ، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ: أَلْقَى الْقَوْمُ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ، بِتَكْفِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِقَضَائِهِ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ فِيهَا عِنْدَ إِلْقَائِهِمُ الْأَقْلَامَ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ﴿زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧]، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ بِالْمَدِّ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِالْقَصْرِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَةِ بِإِحْدَاهُمَا خِلَافٌ لِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى، فَبِأَيِّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ. غَيْرَ أَنَّ الصَّوَابَ عِنْدَنَا إِذَا مُدَّ ﴿زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧]، أَنْ يُنْصَبَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَجَمِ لَا يُجْرَى، وَلَأَنَّ قِرَاءَتَنَا فِي ﴿كَفَّلَهَا﴾ [آل عمران: ٣٧] بِالتَّشْدِيدِ وَتَثْقِيلِ الْفَاءِ، فَزَكَرِيَّاءُ مَنْصُوبٌ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ، وَفِي زَكَرِيَّا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا لِخِلَافِهَا مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ زَكَرِيٌّ، بِحَذْفِ الْمَدَّةِ وَالْيَاءِ السَّاكِنَةِ، تُشَبِّهُهُ الْعَرَبُ بِالْمَنْسُوبِ مِنَ الْأَسْمَاءِ فَتُنَوِّنُهُ، وَتُجْرِيهِ فِي أَنْوَاعِ الْإِعْرَابِ مَجَارِيَ يَاءِ النِّسْبَةِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَضَمَّهَا اللَّهُ إِلَى زَكَرِيَّا، مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز]
فَهْوَ لِضُلَّالِ الْهَوَامِ كَافِلُ