وَقَدْ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ مُعَاذٍ الْكُوفِيِّ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ» يُبَشِّرُهُمْ «مُثَقَّلَةً، فَإِنَّهُ مِنَ الْبِشَارَةِ، وَمَنْ قَرَأَ» يَبْشُرُهُمْ «مُخَفَّفَةً بِنَصْبِ الْيَاءِ، فَإِنَّهُ مِنَ السُّرُورِ، يَسُرُّهُمْ» وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ ضَمُّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدُ الشِّينِ، بِمَعْنَى التَّبْشِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هِيَ اللُّغَةُ السَّائِرَةُ، وَالْكَلَامُ الْمُسْتَفِيضُ الْمَعْرُوفُ فِي النَّاسِ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مُجْمِعُونَ فِي قِرَاءَةِ: ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونِ﴾ [الحجر: ٥٤] عَلَى التَّشْدِيدِ. وَالصَّوَابُ فِي سَائِرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي التَّشْدِيدِ وَضَمِّ الْيَاءِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ الْكُوفِيِّ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ نَجِدْ أَهْلَ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَعْرِفُونَهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، فَلَا مَعْنَى لِمَا حُكِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ:
[البحر الكامل]

يَا بِشْرُ حُقَّ لِبِشْرِكَ التَّبْشِيرُ هَلَّا غَضِبْتَ لَنَا وَأَنْتَ أَمِيرُ
فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ «التَّبْشِيرُ» : الْجَمَالَ وَالنَّضَارَةَ وَالسُّرُورَ، فَقَالَ «التَّبْشِيرُ» وَلَمْ يَقُلْ «الْبِشْرُ»، فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكُ بِيَحْيَى﴾ [آل عمران: ٣٩] قَالَ: «بَشَّرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ» -[٣٧٠]- وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِيَحْيَى﴾ [آل عمران: ٣٩] فَإِنَّهُ اسْمٌ أَصْلُهُ «يَفْعَلُ» مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: حَيِيَ فُلَانٌ فَهُوَ يَحْيَا، وَذَلِكَ إِذَا عَاشَ فَيَحْيَى «يَفْعَلُ» مِنْ قَوْلِهِمْ «حَيِيَ»، وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ سَمَّاهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ اسْمَهُ أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ


الصفحة التالية
Icon