أَوْحَى لَهَا الْقَرَارَ فَاسْتَقَرَّتِ
بِمَعْنَى: أَلْقَى إِلَيْهَا ذَلِكَ أَمْرًا، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] بِمَعْنَى: فَأَلْقَى ذَلِكَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا وَصَفْتُ مِنْ إِلْقَاءِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ إِلْقَاؤُهُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ إِيمَاءً، وَيَكُونُ بِكِتَابٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] يُلْقُونَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ وَسْوَسَةً، وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] أُلْقِيَ إِلَيَّ بِمَجِيءِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ إِلَيَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا الْوَحْيُ: فَهُوَ الْوَاقِعُ مِنَ الْمُوحِي إِلَى الْمُوحَى إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ سَمَّتِ الْعَرَبُ الْخَطَّ وَالْكِتَابَ وَحْيًا، لِأَنَّهُ وَاقِعٌ فِيمَا كُتِبَ ثَابِتٌ فِيهِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
[البحر الطويل]
أَتَى الْعُجْمَ وَالْآفَاقَ مِنْهُ قَصَائِدٌ بَقَيْنَ بَقَاءَ
الْوَحْي فِي الْحَجَرِ الْأَصَمّ يَعْنِي بِهِ الْكِتَابَ الثَّابِتَ فِي الْحَجَرِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْكِتَابِ خَاصَّةً إِذَا كَتَبَهُ الْكَاتِبُ وَحَى، بِغَيْرِ أَلْفٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز]
كَأَنَّهُ بَعْدَ رِيَاحٍ تَدْهَمُهْ | وَمُرْثَعِنَّاتِ الدُّجُونِ تَثِمُهْ |