حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ قَالَ: " لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيًّا قَطُّ مِنْ لَدُنْ نُوحٍ إِلَّا أَخَذَ مِيثَاقَهُ: لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ، وَلَيَنْصُرُنَّهُ إِنْ خَرَجَ وَهُوَ حَيُّ، وَإِلَّا أَخَذَ عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَلَيَنْصُرُنَّهُ إِنْ خَرَجَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: " أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ: لَيَبْلُغَنَّ آخِرُكُمْ أَوَّلَكُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا " وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِيثَاقُ النَّبِيِّينَ وَأُمَمِهِمْ، فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ ذِكْرِ أُمَمِهَا؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَى الْمَتْبُوعِ دَلَالَةً عَلَى أَخْذِهِ عَلَى التُّبَّاعِ؛ لِأَنَّ الْأُمَمَ هُمْ تُبَّاعُ الْأَنْبِيَاءِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ -[٥٤٢]- عَلَيْهِمْ، يَعْنِي عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ، يَعْنِي بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُمْ، وَإِقْرَارِهِمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] " إِلَى آخِرِ الْآيَةِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٌ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: الْخَبَرُ عَنْ أَخْذِ اللَّهِ الْمِيثَاقَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَخْذِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمِهَا، وَتُبَّاعِهَا الْمِيثَاقَ بِنَحْوِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهَا رَبُّهَا مِنْ تَصْدِيقِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ بِمَا جَاءَتْهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِذَلِكَ أُرْسِلَتْ إِلَى أُمَمِهَا، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِمَّنْ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ أَنَّ نَبِيًّا أُرْسِلَ إِلَى أُمَّةٍ بِتَكْذِيبِ أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُجَجِهِ فِي عِبَادِهِ، بَلْ كُلُّهَا وَإِنْ كَذَّبَ بَعْضُ الْأُمَمِ بَعْضَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ بِجُحُودِهَا نُبُوَّتَهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ صِحَّةُ نُبُوَّتِهِ، فَعَلَيْهَا الدَّيْنُونَةُ بِتَصْدِيقِهِ فَذَلِكَ مِيثَاقٌ مُقِرٌّ بِهِ جَمِيعُهُمْ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمِيثَاقَ إِنَّمَا أُخِذَ عَلَى الْأُمَمِ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّينَ، فَسَوَاءٌ قَالَ قَائِلٌ: لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ مِنْهَا رَبُّهَا، أَوْ قَالَ: لَمْ يَأْمُرْهَا بِبِلَاغِ مَا أُرْسِلَتْ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِتَبْلِيغِهِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا خَبَرَانِ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهَا، فَإِنْ جَازَ الشَّكُّ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ فِي الْآخَرِ. وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِذَلِكَ أَهْلُ -[٥٤٣]- الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ أُمِرَ بَعْضُهَا بِتَصْدِيقِ بَعْضٍ، وَتَصْدِيقُ بَعْضِهَا بَعْضًا، نُصْرَةٌ مِنْ بَعْضِهَا بَعْضًا. تَمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ عُنُوا بِذَلِكَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، أُخِذَتْ مَوَاثِيقُهُمْ أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنْ يَنْصُرُوهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ أُمِرُوا بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَهُ اللَّهُ وَبِنُصْرَتِهِ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ قَالَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ الَّذِينَ عُنُوا بِأَخْذِ اللَّهِ مِيثَاقَهُمْ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] مَعْنِيُّ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ