كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩١] يَقُولُ: لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ مُوجِعٌ ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٢٢] يَعْنِي: وَمَا لَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ وَلَا حَمِيمٍ وَلَا صَدِيقٍ يَنْصُرُهُ، فَيَسْتَنْقِذُهُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ عَذَابِهِ، كَمَا كَانُوا يَنْصُرُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ حَاوَلَ أَذَاهُ وَمَكْرُوهَهَ
وَقَدْ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، قَالَ: فَيُقَالُ: لَقَدْ سُئِلَتْ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ "، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١] قَالَ: «هُوَ كُلُّ كَافِرٍ» وَنُصِبَ قَوْلُهُ ﴿ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١] عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمِقْدَارِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالتَّفْسِيرِ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ٩١]، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: عِنْدِي قَدْرُ زِقٍّ سَمْنًا وَقَدْرُ رَطْلٍ عَسَلًا، فَالْعَسَلُ مُبَيَّنٌ بِهِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمِقْدَارِ، وَهُوَ نَكِرَةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ -[٥٧٢]- لِلْمِقْدَارِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ. وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ نَصَبَ الذَّهَبَ لِاشْتِغَالِ الْمِلْءِ بِالْأَرْضِ، وَمَجِيءِ الذَّهَبِ بَعْدَهُمَا، فَصَارَ نَصْبُهَا نَظِيرَ نَصْبِ الْحَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالَ يَجِيءُ بَعْدَ فِعْلٍ قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ فَيَنْصَبُ، كَمَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ الْفِعْلِ الَّذِي قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ، قَالُوا: وَنَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١] فِي نَصْبِ الذَّهَبِ فِي الْكَلَامِ: لِي مِثْلُكَ رَجُلًا، بِمَعْنَى: لِي مِثْلُكَ مِنَ الرِّجَالِ، وَزَعَمُوا أَنَّ نَصْبَ الرَّجُلِ لِاشْتِغَالِ الْإِضَافَةِ بِالِاسْمِ، فَنُصِبَ كَمَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ بِهِ لِاشْتِغَالِ الْفِعْلِ بِالْفَاعِلِ، وَأُدْخِلَتْ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] لِمَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَهُ دَلَّ عَلَيْهِ دُخُولُ الْوَاوِ، كَالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، أَرَيْنَاهُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١]، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ وَاوٌ، لَكَانَ الْكَلَامُ صَحِيحًا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَتْرُوكٌ وَكَانَ: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَوِ افْتَدَى بِهِ