وَذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قَالَ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً " فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ هُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَا قُلْنَا، فَأَمَّا فِي وَضْعِهِ بَيْتًا بِغَيْرِ مَعْنَى بَيْتٍ لِلْعِبَادَةِ وَالْهُدَى وَالْبَرَكَةِ، فَفِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَا قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَعْضَهُ فِي سُورَةِ -[٥٩٤]- الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَبَيَّنْتُ الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي لَلْبَيْتُ الَّذِي بِمُزْدَحِمِ النَّاسِ لِطَوَافِهِمْ فِي حَجِّهِمْ وَعُمَرِهِمْ. وَأَصْلُ الْبَكِّ الزَّحْمُ، يُقَالُ مِنْهُ: بَكَّ فُلَانٌ فُلَانًا: إِذَا زَحَمَهُ وَصَدَمَهُ فَهُوَ. بِبَكَّةَ مُبَارَكًا، وَهُمْ يَتَبَاكُّونَ فِيهِ: يَعْنِي بِهِ: يَتَزَاحَمُونَ وَيَتَصَادَمُونَ فِيهِ، فَكَانَ بَكَّةُ: «فَعْلَةٌ» مِنْ بَكَّ فُلَانٌ فُلَانًا: زَحَمَهُ، سَمَّيَتِ الْبُقْعَةُ بِفِعْلِ الْمُزْدَحِمِينَ بِهَا، فَإِذَا كَانَتْ بَكَّةُ مَا وَصَفْنَا، وَكَانَ مَوْضِعُ ازْدِحَامِ النَّاسِ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ لَا طَوَافَ يَجُوزُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَمَكَّةُ لَا بَكَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى خَارِجَهُ يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ التَّبَاكَّ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًّا بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بَكَّةُ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكَّةَ، وَمَكَّةُ اسْمٌ لِلْحَرَمِ


الصفحة التالية
Icon