وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٢٠] بِضَمِّ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: ضَرَّنِي فُلَانٌ فَهُوَ يَضُرُّنِي ضَرًّا. وَأَمَّا الرَّفْعُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٠] فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى اتِّبَاعُ الرَّاءِ فِي حَرَكَتِهَا، إِذْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْجَزْمُ، وَلَمْ يُمْكِنْ جَزْمُهَا لِتَشْدِيدِهَا أَقْرَبَ حَرَكَاتِ الْحُرُوفِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَذَلِكَ حَرَكَةُ الضَّادِ، وَهِيَ الضَّمَّةُ، فَأُلْحِقَتْ بِهَا حَرَكَةُ الرَّاءِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا، كَمَا قَالُوا: مُدَّ يَا هَذَا، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْ وَجْهَيِ الرَّفْعِ فِي ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً عَلَى صِحَّةٍ، وَتَكُونُ «لَا» بِمَعْنَى «لَيْسَ»، وَتَكُونُ الْفَاءُ الَّتِي هِيَ جَوَّابُ الْجَزَاءِ مَتْرُوكَةً لَعِلْمِ السَّامِعِ بِمَوْضِعِهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَلَيْسَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ تُرِكَتِ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٠] وَوُجِّهَتْ «لَا» إِلَى مَعْنَى «لَيْسَ»، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
فَإِنْ كَانَ لَا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي | إِلَى قَطَرِيٍّ لَا إِخَالُكَ رَاضِيَا |