ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] «وَهِيَ التِّجَارَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ السَّيْرُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] «الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ» وَأَصْلُ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ: الْإِبْعَادُ فِيهَا سَيْرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَوْ كَانُوا غَزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْغُزَّى: جَمْعُ غَازٍ، جُمِعَ عَلَى «فُعَّلٍ» كَمَا يُجْمَعُ شَاهِدٌ: شُهَّدٍ، وَقَائِلٌ: قُوَّلٍ وَقَدْ يُنْشَدُ بَيْتُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز]

فَالْيَوْمَ قَدْ نَهْنَهَنِي تَنَهْنُهِي -[١٧٨]- وَأَوْلُ حِلْمٍ لَيْسَ بِالْمُسَفَّهِ
وَقُوَّلٌ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
وَيُنْشَدُ أَيْضًا:
وَقَوْلُهُمْ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦] بِإِصْحَابِ مَاضِي الْفِعْلِ الْحَرْفَ الَّذِي لَا يَصْحَبُ مَعَ الْمَاضِي مِنْهُ إِلَّا الْمُسْتَقْبَلُ، فَقِيلَ: وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ثُمَّ قِيلَ: إِذَا ضَرَبُوا، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: أَكْرَمْتُكَ إِذْ زُرْتَنِي، وَلَا يُقَالُ: أَكْرَمْتُكَ إِذَا زُرْتَنِي؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَذْهَبُ بِالَّذِينَ مَذْهَبَ الْجَزَاءِ، وَتُعَامِلُهَا فِي ذَلِكَ مُعَامَلَةَ «مَنْ» وَ «مَا» لِتَقَارُبِ مَعَانِي ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَإِنَّ جَمَعَهُنَّ أَشْيَاءُ مَجْهُولَاتٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَاتٍ تَوْقِيتَ عَمْرٍو وَزَيْدٍ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ صَحِيحًا فِي الْكَلَامِ فَصِيحًا أَنْ يُقَالَ لِلرِّجَالِ: أَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَكَ، وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ أَكْرَمَكَ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ خَارِجًا بِلَفْظِ الْمَاضِي مَعَ مَنْ وَكُلٍّ مَجْهُولًا، -[١٧٩]- وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، إِذْ كَانَ الْمَوْصُوفُ بِالْفِعْلِ غَيْرَ مُوَقَّتٍ، وَكَانَ «الَّذِينَ» فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٥٦] غَيْرَ مُوَقَّتَيْنِ، أُجْرِيَتْ مَجْرَى «مَنْ» وَ «مَا» فِي تَرْجَمَتِهَا الَّتِي تَذْهَبُ مَذْهَبَ الْجَزَاءِ وَإِخْرَاجِ صَلَاتِهَا بِأَلْفَاظِ الْمَاضِي مِنَ الْأَفْعَالِ وَهِيَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي «مَا» :
[البحر الطويل]
وَإِنِّي لَآتِيَكُمْ تَشَكُّرَ مَا مَضَى مِنَ الْأَمْرِ وَاسْتِيجَابَ مَا كَانَ فِي غَدِ
فَقَالَ: مَا كَانَ فِي غَدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ: مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلَوْ كَانَ أَرَادَ الْمَاضِيَ لَقَالَ: مَا كَانَ فِي أَمْسِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: مَا كَانَ فِي غَدٍ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي مُوَقَّتًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ لَكَ: مَنْ هَذَا الَّذِي أَكْرَمَكَ إِذَا زُرْتَهُ؟ لِأَنَّ الَّذِي هَاهُنَا مُوَقَّتٌ، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَعْنَى الْجَزَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ هَذَا، لَكَانَ جَائِزًا فَصِيحًا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَجْهُولًا غَيْرَ مُوَقَّتٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٢٥] فَرَدَّ ﴿يَصُدُّونَ﴾ [الحج: ٢٥] عَلَى ﴿كَفَرُوا﴾ [الحج: ٢٥] ؛ لِأَنَّ «الَّذِينَ» غَيْرُ مُوَقَّتَةٍ، فَقَوْلُهُ: ﴿كَفَرُوا﴾ [الحج: ٢٥] وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ مَاضٍ، فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم: ٦٠]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] مَعْنَاهُ: إِلَّا الَّذِينَ يَتُوبُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا مَنْ يَتُوبُ وَيُؤْمِنُ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي -[١٨٠]- الْقُرْآنِ وَالْكَلَامِ كَثِيرٌ؛ وَالْعِلَّةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: حُزْنًا فِي قُلُوبِهِمْ


الصفحة التالية
Icon