إِلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ «يُغْلَلْ»، ثُمَّ خُفِّفَتِ الْغَيْنُ مِنْ «يُفَعَّلَ» فَصَارَتْ «يُفْعَلَ»، كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ قَوْلَهُ: فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَكَ بِتَأَوُّلِ ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾ [الأنعام: ٣٣]. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] بِمَعْنَى: مَا الْغُلُولُ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَكُونُ نَبِيًّا مَنْ غَلَّ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْعَدَ عُقَيْبَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] أَهْلَ الْغُلُولِ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٦١] الْآيَةَ، وَالَّتِي بَعْدَهَا، فَكَانَ فِي وَعِيدِهِ عُقَيْبَ ذَلِكَ أَهْلَ الْغُلُولِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ عَنِ الْغُلُولِ، وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّ الْغُلُولَ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ أَنْبِيَائِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّهِمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُلُولِ، لَعَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى التُّهْمَةِ، وَسُوءِ الظَّنِّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ، وَفِي تَعْقِيبِهِ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ بَيَانٌ بَيِّنٌ، أَنَّهُ إِنَّمَا عَرَّفَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ الْغُلُولَ مُنْتَفٍ مِنْ صِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَخْلَاقِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جُرْمٌ عَظِيمٌ، وَالْأَنْبِيَاءُ لَا تَأْتِي مِثْلَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: فَأَوْلَى مِنْهُ: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَوِّنَهُ أَصْحَابُهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْتُ، وَلَمْ يُعَقِّبِ اللَّهُ قَوْلَهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] إِلَّا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: (يُغَلَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يُغِلَّهُ أَصْحَابُهُ،