وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ) بِالْيَاءِ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ إِخْبَارِ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ كَانُوا غَيْرَ مَوْجُودِينَ، فَصَارَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ كَالْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَةٌ وُجُوهُهُمَا، مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْإِسْلَامِ، غَيْرَ مُخْتَلِفَتَيِ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَقَدْ أَصَابَ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ فِي ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ أَحَبَّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا: (لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ) بِالْيَاءِ جَمِيعًا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَنَبَذُوهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ عَلَى سَبِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَنَبَذَوهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] حَتَّى يَكُونَ مُتَّسِقًا كُلُّهُ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَمِثَالٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الْخِطَابِ لَكَانَ أَنْ يُقَالَ: فَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَالَ: فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧] فَإِنَّهُ مَثَلٌ لِتَضْيِيعِهِمُ الْقِيَامَ بِالْمِيثَاقِ، وَتَرْكِهِمُ الْعَمَلَ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ


الصفحة التالية
Icon