وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالرَّغْبَةِ مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَالظَّفَرِ بِهِمْ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، فَيُعَجِّلُ ذَلِكَ لَهُمْ، قَالُوا: وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ مَعَ وَصْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفْتُهُمْ بِهِ كَانُوا عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَيَرْغَبُوا إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا وُعِدُوا النَّصْرَ، وَلَمْ يُوَقِّتْ لَهُمْ فِي تَعْجِيلِ ذَلِكَ لَهُمْ، لِمَا فِي تَعَجُّلِهِ مِنْ سُرُورِ الظَّفَرِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ. وَالَّذِي هُو أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الصُّفَّةَ، صِفَةُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَطَنِهِ وَدَارِهِ، مُفَارِقًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ تُبَّاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ رَغِبُوا إِلَى اللَّهِ فِي تَعْجِيلِ نُصْرَتِهِمْ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا مِنْ نُصْرَتِكَ عَلَيْهِمْ عَاجِلًا، فَإِنَّكَ لَا تَخَلَّفُ الْمِيعَادِ، وَلَكِنْ لَا صَبَرَ لَنَا عَلَى أَنَاتِكَ وَحِلْمِكَ عَنْهُمْ، فَعَجِّلَ حَرْبَهُمْ، وَلَنَا الظَّفَرَ عَلَيْهِمْ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ آخِرُ الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٩٥]... الْآيَاتِ بَعْدَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ حَكَيْتُ قَوْلَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: افْعَلْ بِنَا يَا رَبُّ كَذَا وَكَذَا،