ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٩] «مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ مُسْلِمَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] أَهْلَ الْكِتَابِ جَمِيعًا، فَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمُ النَّصَارَى دُونَ الْيَهُودِ، وَلَا الْيَهُودَ دُونَ النَّصَارَى، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ، أَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ؟ قِيلَ: ذَلِكَ خَبَرٌ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ بِخِلَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ جَابِرًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَالُوا: نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ، وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَةُ فِي الشَّيْءِ ثُمَّ يُعَمُّ بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ، فَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْحُكْمَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ لِلنَّجَاشِيِّ حُكْمًا لِجَمِيعِ عِبَادِهِ الَّذِينَ هُمْ بِصِفَةِ النَّجَاشِيِّ فِي اتِّبَاعِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بَعْدَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، -[٣٣١]- فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، فَيُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، يَقُولُ: وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِهِ وَوَحْيِهِ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، يَعْنِي: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْكُتُبِ، وَذَلِكَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ، خَاشِعِينَ لِلَّهِ، يَعْنِي: خَاضِعِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، مُسْتَكِينِينَ لَهُ بِهَا مُتَذَلِّلِينَ


الصفحة التالية
Icon