ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: ثني ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: «لِمَ صَارَ الْأَخَوَانِ يَرُدَّانِ الْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ» وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] «وَالْأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِكَ وَكَلَامِ قَوْمَكَ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ؟» فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " هَلْ أَسْتَطِيعُ نَقْضَ أَمْرٍ كَانَ قَبْلِي، وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ، وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ؟ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] اثْنَانِ مِنْ إِخْوَةِ الْمَيِّتِ فَصَاعِدًا، عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِنَقْلِ الْأُمَّةِ وَرَاثَةَ صِحَّةِ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ عَنِ الْحُجَّةِ وَإِنْكَارِهِمْ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ فِي الْأَخَوَيْنِ إِخْوَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ لِلْأَخَوْيِنِ فِي مَنْطِقِ الْعَرَبِ مِثَالًا لَا يُشْبِهُ مِثَالَ الْإِخْوَةِ فِي مَنْطِقِهَا؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهَا التَّأْلِيفَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي بَعْضِ وَجُوهِهِمَا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مُسْتَفِيضًا فِي مَنْطِقِهَا مُنْتَشِرًا مْسُتَعْمَلًا فِي كَلَامِهَا: ضَرَبْتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرٍو رُءُوسَهُمَا، وَأَوْجَعْتُ مِنْهُمَا ظُهُورَهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ اسْتِفَاضَةً فِي مَنْطِقِهَا مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَوْجَعْتُ مِنْهُمَا ظَهْرَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَقُولًا: أَوْجَعْتُ ظَهْرَهُمَا كَمَا قَالَ -[٤٦٦]- الْفَرَزْدَقُ:
[البحر الطويل]
بِمَا فِي فُؤَادَيْنَا مِنَ الْحُبِّ وَالْهَوَى | فَيَبْرَأُ مِنْهَاضُ الْفُؤَادِ الْمُشَغَّفُ |
غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَقُولًا، فَأَفْصَحُ مِنْهُ: بِمَا فِي أَفْئِدَتِنَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ:
﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤]، فَلَمَّا كَانَ مَا وَصَفْتُ مِنْ إِخْرَاجِ كُلِّ مَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ وَاحِدًا إِذَا ضُمَّ إِلَى الْوَاحِدِ مِنْهُ آخَرُ مِنْ إِنْسَانٍ آخَرَ، فَصَارَ اثْنَيْنِ مِنَ اثْنَيْنِ، فَلَفْظُ الْجَمْعِ أَفْصَحُ فِي مَنْطِقِهَا وَأَشْهُرُ فِي كَلَامِهَا، وَكَانَ الْأَخَوَانِ شَخْصَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ مِنْ نَفَسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَشْبَهَ مَعْنَاهُمَا مَعْنَى مَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَاحِدًا لَا ثَانِيَ لَهُ، فَأَخْرَجَ أُنْثَيَيْهِمَا بِلَفْظِ أُنْثَى الْعُضْوَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ، فَقِيلَ إِخْوَةٌ فِي مَعْنَى الْأَخَوَيْنِ، كَمَا قِيلَ ظُهُورٌ فِي مَعْنَى الظِّهْرَيْنِ، وَأَفْوَاهٌ فِي مَعْنَى فَمَوَيْنِ، وَقُلُوبٌ فِي مَعْنَى قَلْبَيْنِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّمَا قِيلَ إِخْوَةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا ضُمَّ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ صَارَا جَمِيعًا بَعْدَ أَنْ كَانَا فَرْدَيْنِ فَجُمِعَا، لِيَعْلَمَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ، -[٤٦٧]- وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْمَعْنَى، فَلَيْسَ بِعِلَّةٍ تُنْبِئُ عَنْ جَوَازِ إِخْرَاجِ مَا قَدْ جَرَى الْكَلَامُ مُسْتَعْمَلًا مُسْتَفِيضًا عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ لِاثْنَيْنِ بِمِثَالٍ، وَصُورَةٍ غَيْرِ مِثَالِ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا مِنْهُ، وَصُورَتِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ أَخَوَاكِ قَامَا، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ فَرْدٌ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، فَصَارَا جَمِيعًا بَعْدَ أَنْ كَانَا شَتَّى عُنْوَانَ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَسْتَجِيزُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا أَنْ يُقَالَ: أَخَوَاكَ قَامُوا، فَيَخْرُجُ قَوْلُهُمْ: قَامُوا، وَهُوَ لَفْظٌ لِلْخَبَرِ عَنِ الْجَمِيعِ خَبَرًا عَنِ الْأَخَوَيْنِ وَهُمَا بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مَا جَرَى بِهِ الْكَلَامُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِثَالًا مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، وَصُورَةً إِذَا غَيَّرَ مُغَيِّرٌ مَا قَدْ عَرَفُوهُ فِيهِمْ أَنْكَرُوهُ، فَكَذَلِكَ الْأَخَوَانِ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعَيْنِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَلَهُمَا مِثَالٌ فِي الْمَنْطَقِ، وَصُورَةٌ غَيْرُ مِثَالِ الثَّلَاثَةِ مِنْهُمْ فَصَاعِدًا وَصُورَتِهِمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُغَيَّرَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمَعْنًى مَفْهُومٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْلَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا قُلْنَا قَبْلُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلِمَ نَقَصَتِ الْأُمُّ عَنْ ثُلُثِهَا بِمَصِيرِ إِخْوَةِ الْمَيِّتِ مَعَهَا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا؟ قِيلَ: اخْتَلَفَتِ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقَصَتِ الْأُمُّ عَنْ ذَلِكَ دُونَ الْأَبِ، لِأَنَّ عَلَى الْأَبِ مُؤَنَهُمْ دُونَ أُمِّهِمْ