ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ جَارِيَةً، أَلْقَى عَلَيْهَا حَمِيمُهُ ثَوْبَهُ، فَمَنَعَهَا مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً حَبَسَهَا حَتَّى تَمُوتَ، فَيَرِثَهَا»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فَأَمْلَكُ النَّاسِ بِامْرَأَتِهِ وَلِيُّهُ، فَيُمْسِكُهَا حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثَهَا، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ قَالَ مَعْنَاهُ: -[٥٢٧]- لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا نِسَاءَ أَقَارِبِكُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ قَدْ بَيَّنَ مَوَارِيثَ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ، فَذَلِكَ لِأَهْلِهِ نَحْوَ وِرَاثَتِهِمْ إِيَّاهُ الْمَوْرُوثَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ. فَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لَمْ يَحْظُرْ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَرِثُوا النِّسَاءَ مَا جَعَلَهُ لَهُمْ مِيرَاثًا عَنْهُنَّ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا حَظَرَ أَنْ يُكْرَهْنَ مُوَرَّوثَاتٍ بِمَعْنَى حَظْرِ وِرَاثَةِ نِكَاحِهِنَّ إِذَا كَانَ مَيِّتُهُمُ الَّذِي وَرِثُوهُ قَدْ كَانَ مَالِكًا عَلَيْهِنَّ أَمَرَهُنَّ فِي النِّكَاحِ مِلْكَ الرَّجُلِ مَنْفَعَةَ مَا اسْتَأْجَرَ مِنَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَسَائِرِ مَا لَهُ مَنَافِعُ، فَأَبَانَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ لِعِبَادِهِ أَنَّ الَّذِيَ يَمْلِكُهُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنْ بِضْعِ زَوْجَتِهِ، مَعْنَاهُ غَيْرُ مَعْنَى مَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ مِنْ مَنَافِعِ سَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ الَّتِي تَجُوزُ إِجَارَتُهَا، فَإِنَّ الْمَالِكَ بِضْعَ زَوْجَتِهِ إِذَا هُوَ مَاتَ لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ لَهُ مِلْكًا مِنْ زَوْجَتِهِ بِالنِّكَاحِ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، كَمَا لَهُمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَ يَمْلِكُهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إِجَارَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمِيرَاثِهِ ذَلِكَ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] أَيْ وَلَا تَحْبِسُوا يَا مَعْشَرَ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنَ الرِّجَالِ أَزْوَاجَهُمْ عَنْ نِكَاحِ مِنْ أَرَدْنَ نِكَاحَهُ مِنَ -[٥٢٨]- الرِّجَالِ كَيْمَا يَمُتْنَ فَتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ؛ أَيْ فَتَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا مَتْنِ مَا كَانَ مَوْتَاكُمُ الَّذِينَ وَرِثْتُمُوهُنَّ سَاقُوا إِلَيْهِنَّ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُمْ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَعْضُلُوا أَيُّهَا النَّاسُ نِسَاءَكُمْ فَتَحْبِسُوهُنَّ ضِرَارًا، وَلَا حَاجَةَ لَكُمْ إِلَيْهِنَّ فَتَضُرُّوا بِهِنَّ لِيَفْتَدِينَ مِنْكُمْ بِمَا آتَيْتُمُوهُنَّ مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ