تَأْوِيلِهِ، أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَلَا تَنْكِحُوا مِنَ النِّسَاءِ نِكَاحَ آبَائِكُمْ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ مِنْكُمْ، فَمَضَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿مِنَ النِّسَاءِ﴾ [آل عمران: ١٤] مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا﴾ [البقرة: ٢٢١] وَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ [النساء: ٢٢] بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِهِ: لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ فَمَضَى، ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٢٢] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقًا قَوْلَ مَنْ ذَكَرْتَ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِينَ ذَكَرْتَ قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا قَالُوا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ الْآبَاءِ، وَأَنْتَ تَذْكُرُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا نِكَاحَهُمْ؟ قِيلَ لَهُ: وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ هُوَ التَّأْوِيلُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، إِذْ كَانَتْ مَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِغَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ حَلَائِلِ الْآبَاءِ دُونَ سَائِرِ مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِ آبَائِهِمْ حَرَامًا، ابْتُدِئَ مِثْلُهُ فِي الْإِسْلَامِ، بِنَهْيِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ عَنْهُ، لَقِيلَ: وَلَا تَنْكِحُوا مَنْ نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِذْ كَانَ «مَنْ» لِبَنِي آدَمَ «وَمَا» لِغَيْرِهِمْ، وَلَا تَقُلْ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي «مَا» مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِ آبَائِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَنَاكُحُونَهَا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ نِكَاحُ حَلَائِلِ الْآبَاءِ، وَكُلُّ نِكَاحٍ


الصفحة التالية