حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ يَنْكِحَ، الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً فَيَنْكِحُ هَذِهِ الْأَمَةَ فَيَتَعَفَّفُ بِهَا وَيَكْفِيهِ أَهْلُهَا مُؤْنَتَهَا، وَلَمْ يُحِلَّ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ مَا يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُحِلَّ لَهُ حَتَّى يَخْشَى الْعَنَتَ»
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحَ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَمَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحْ أَمَةً» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَكِّيِّينَ: (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصِنَاتِ) بِكَسْرِ الصَّادِ مَعَ سَائِرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ سِوَى قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَإِنَّهُمْ فَتَحُوا الصَّادَ مِنْهَا، وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ إِلَى أَنَّهُنَّ مُحْصَنَاتٌ بِأَزْوَاجِهِنَّ، وَأَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ هُمْ -[٥٩٨]- أَحْصَنُوهُنَّ. وَأَمَّا سَائِرُ مَا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا فِي كَسْرِهِمُ الصَّادَ مِنْهُ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ هُنَّ أَحْصَنَّ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِفَّةِ. وَقَرَأتِ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْفَتْحِ، بِمَعْنَى أَنَّ بَعْضَهُنَّ أَحْصَنَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، وَبَعْضَهُنَّ أَحْصَنَهُنَّ حُرِّيَتُهُنَّ أَوْ إِسْلَامُهُنَّ. وَقَرَأَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ كُلَّ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُنَّ عَفَفْنَ وَأَحْصَنَّ أَنْفُسَهُنَّ. وذُكِرَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَعِنِّي بِكَسْرِ الْجَمِيعِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَلَى الاخْتِلَافِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مَعَ اتِّفَاقِ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ، إِلَّا فِي الْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فَإِنِّي لَا أَسْتَجِيزُ الْكَسْرَ فِي صَادِهِ لِاتِّفَاقِ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ عَلَى فَتْحِهَا. وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِكَسْرِهَا مُسْتَفِيضَةً اسْتِفَاضَتَهَا بِفَتْحِهَا كَانَ صَوَابًا الْقِرَاءَةُ بِهَا كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصَرُّفِ الْإِحْصَانِ فِي الْمَعَانِي الَّتِي بَيَّنَّاهَا، فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ كُسِرَ: وَالْعَفَائِفُ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، بِمَعْنَى أَنَّهُنَّ أَحْصَنَّ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِفَّةِ. وَأَمَّا الْفَتَيَاتُ فَإِنَّهُنَّ جَمْعُ فَتَاةٍ، وَهُنَّ الشَّوَابُّ مِنَ النِّسَاءِ، ثُمَّ يُقَالَ لِكُلِّ مَمْلُوكَةٍ ذَاتِ سِنٍّ أَوْ شَابَّةٍ فَتَاةُ، وَالْعَبْدُ فَتًى ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَهَلْ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ -[٥٩٩]-: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] تَحْرِيمُ مَا عَدَا الْمُؤْمِنَاتِ مِنْهُنَّ، أَمْ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَأْدِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ


الصفحة التالية
Icon