حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] الْآيَةُ، إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ، وَسَدِّدُوا، وَأَبْشِرُوا»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ لَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ﴾ [النساء: ٤٠] ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠] وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٥٢] "
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو النَّضْرِ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثَمَانُ آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ -[٦٦١]- الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، أُولَاهُنَّ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبُ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: ٢٦] وَالثَّانِيَةُ: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] وَالثَّالِثَةُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرْهَا فِي آخِرِ الْآيَةِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٩٦] لِلَّذِينَ عَمِلُوا الذُّنُوبَ ﴿غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٣] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا كَرِيمًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي الْحَجِّ: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) فَمَعْنَى: (وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا) فَيَدْخُلُونَ دُخُولًا كَرِيمًا. وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي الْمَدْخَلِ: الْمَكَانُ وَالْمَوْضِعُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا فَتَحَتِ الْمِيمَ مِنْ ذَلِكَ بِهَذَا الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
بِمَصْبَحِ الْحَمْدِ وَحَيْثُ يُمْسِ
وَقَدْ أَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ:
[البحر البسيط]
الْحَمْدُ لِلَّهِ مَمْسَانَا وَمَصْبَحَنَا | بِالْخَيْرِ صَبَّحْنَا رَبِّي وَمَسَّانَا |
-[٦٦٢]- الْحَمْدُ لِلَّهِ مُمْسَانَا وَمُصْبَحَنَا
لِأَنَّهُ مِنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ تَضُمُّ مِيمَهُ فِي مِثْلِ هَذَا، فَتَقُولُ: دَحْرَجْتُهُ مُدَحْرَجًا فَهُوَ مُدَحَرَجٌ، ثُمَّ تَحْمِلُ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ يُفْعِلُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ يُفْعِلُ مِنْ يُدْخِلُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَإِنَّ أَصْلَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يُؤَفْعَلُ: يُؤَدْخَلُ، وَيُؤَخْرَجُ، فَهُوَ نَظِيرُ يُدَحْرِجُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿مُدْخَلًا﴾ [النساء: ٣١] بِضَمِّ الْمِيمِ، يَعْنِي: وَنُدْخِلْكُمْ إِدْخَالًا كَرِيمًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١] بِضَمِّ الْمِيمِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي فَعَلَ فَالْمَصْدَرُ مِنْهُ مُفْعَلٌ، وَأَنَّ أَدْخَلَ وَدَحْرَجَ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَالْمُدْخَلُ مَصْدَرُهُ أَوْلَى مِنْ مُفْعَلِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَصَادِرَ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ، كَمَا يُقَالَ: أَقَامَ بِمَكَانٍ فَطَابَ لَهُ الْمَقَامُ، إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ، -[٦٦٣]- وَقَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ فِي مَقَامٍ وَاسِعٍ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١] مِنْ قَامَ يَقُومُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ لَقُرِئَ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مُقَامٍ أَمِينٍ كَمَا قُرِئَ: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠] بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: مَدْخَلَ صِدْقٍ، وَلَا مَخْرَجَ صِدْقٍ، بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَأَمَّا الْمُدْخَلُ الْكَرِيمُ: فَهُوَ الطَّيِّبُ الْحَسَنُ، الْمُكَرَّمُ بِنَفْيِ الْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ عَنْهُ، وَبِارْتِفَاعِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَدُخُولِ الْكَدَرِ فِي عَيْشِ مَنْ دَخَلَهُ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ كَرِيمًا. كَمَا: