حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥] يَكُونَانِ عِدْلَيْنِ عَلَيْهِمَا وَشَاهِدَيْنِ. وَذَلِكَ إِذَا تَدَارَأَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَتَنَازَعَا إِلَى السُّلْطَانِ، جَعَلَ عَلَيْهِمَا حَكَمَيْنِ: حَكَمًا مِنْ أَهْلِ الرَّجُلِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِ الْمَرْأَةِ، يَكُونَانِ أَمِينَيْنِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. ويَنْظُرَانِ مِنْ أَيِّهِمَا يَكُونُ الْفَسَادُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى طَاعَةِ زَوْجِهَا، وَأُمِرَ أَنْ يَتَّقِي اللَّهَ وَيُحْسِنَ صُحْبَتَهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا آتَاهُ اللَّهُ؛ إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَإِنْ كَانَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا حَقَّهَا، وَخَلِّ سَبِيلَهَا، وَإِنَّمَا يَلِي ذَلِكَ مِنْهُمَا السُّلْطَانُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥] أَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ بِبَعْثَةِ الْحَكَمَيْنِ عِنْدَ خَوْفِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمَا، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ بَعْثَةَ الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَغَيْرِ السُّلْطَانِ، الَّذِي هُوَ سَائِسٌ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مَنْ أَقَامَهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ نَفْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّوْجَيْنِ وَالسُّلْطَانِ، وَمَنِ الْمَأْمُورُ بِالْبَعْثَةِ فِي ذَلِكَ: الزَّوْجَانِ، أَوِ السُّلْطَانُ؟ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَلَا أَثَرَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأُمَّةُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا مِنَ الْآيَةِ مَا أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى -[٧٢٧]- أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْهَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ وَالسُّلْطَانُ مِمَّنْ قَدْ شَمَلَهُ حُكْمُ الْآيَةِ، وَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥] إِذْ كَانَ مُخْتَلِفًا بَيْنَهُمَا هَلْ هُمَا مَعْنِيَّانِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ قَدْ عَمَّهُمَا؛ فَالْوَاجِبُ مِنَ الْقَوْلِ إِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا وَصَفْنَا أَنْ يُقَالَ: إِنْ بَعَثَ الزَّوْجَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمًا مِنْ قِبَلِهِ، لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّنْ بَعَثَهُ مِنْ قِبَلِهِ فِي ذَلِكَ طَاقَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَلِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ، فَتَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ مَنْ وَكَّلَ جَائِزٌ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَعْضٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ بِالْجَمِيعِ، كَانَ مَا فَعَلَهُ الْحَكَمُ مِمَّا وَكَّلَهُ بِهِ صَاحِبُهُ مَاضِيًا جَائِزًا عَلَى مَا وَكَّلَهُ بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَهُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُوَكِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، أَوْ بِمَا لَهُ، أَوْ بِمَا عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ كِلَيْهِمَا إِلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُمَا وَاحِدًا مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا بَعَثَاهُمَا لِلنَّظَرِ لِيَعْرِفَا الظَّالِمَ مِنَ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا لَيَشْهَدَا عَلَيْهِمَا عِنْدَ السُّلْطَانِ إِنِ احْتَاجَا إِلَى شَهَادَتِهِمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يُحْدِثَا بَيْنَهُمَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا -[٧٢٨]- وَاحِدًا مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى الْحَكَمَيْنِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْحَكَمِ: النَّظَرُ الْعَدْلُ، كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، الَّذِي:


الصفحة التالية
Icon