خُصُومَتِهِمْ ﴿إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي: " إِلَى مَنْ يُعَظِّمُونَهُ، وَيَصْدُرُونَ عَنْ قَوْلِهِ، وَيَرْضَوْنَ بِحُكْمِهِ مِنْ دُونِ حُكْمِ اللَّهِ، ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠] يَقُولُ: " وَقَدْ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُكَذِّبُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ الطَّاغُوتُ الَّذِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ، فَتَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ الشَّيْطَانِ. ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠] يَعْنِي أَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَحَاكِمِينَ إِلَى الطَّاغُوتِ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ وَالْهُدَى، فَيُضِلَّهُمْ عَنْهَا ضَلَالًا بَعِيدًا، يَعْنِي: فَيَجُورُ بِهِمْ عَنْهَا جَوْرًا شَدِيدًا، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ دَعَا رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إِلَى بَعْضِ الْكُهَّانِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠] قَالَ: " كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ خُصُومَةٌ، فَكَانَ الْمُنَافِقُ يَدْعُو إِلَى الْيَهُودِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ الرِّشْوَةَ، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَدْعُو إِلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الرِّشْوَةَ، فَاصْطَلَحَا أَنْ يَتَحَاكَمَا إِلَى كَاهِنٍ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] "