حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: ٩٤] قَالَ: " حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: لَسْتَ مُؤْمِنًا، كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْمَيْتَةَ، فَهُوَ آمِنٌ عَلَى مَالِهِ وَدَمِهِ، وَلَا تَرُدُّوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: ٩٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: ٩٤] بِالْبَاءِ وَالنُّونِ مِنَ التَّبَيُّنِ، بِمَعْنَى: التَّأَنِّي وَالنَّظَرِ وَالْكَشْفِ عَنْهُ حَتَّى يَتَّضِحَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عُظْمُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «فَتَثَبَّتُوا» بِمَعْنَى التَّثَبُّتِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْعَجَلَةِ. وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا الْأَلْفَاظُ، لِأَنَّ الْمُتَثَبِّتَ مُتَبَيِّنٌ، وَالْمُتَبَيِّنُ مُتَثَبِّتٌ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ صَوَابَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ﴾ [النساء: ٩٤] فَقَرَأَ -[٣٦٢]- ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ «السَّلَمَ» بِغَيْرِ أَلِفٍ، بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿السَّلَامَ﴾ [النساء: ٩٤] بِأَلْفٍ، بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: «لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ» بِمَعْنَى: مَنِ اسْتَسْلَمَ لَكُمْ مُذْعِنًا لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ مُقِرًّا لَكُمْ بِمِلَّتِكُمْ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ رَاو رَوَى أَنَّهُ اسْتَسْلَمَ بِأَنْ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ؛ وَمِنْ رَاو رَوَى أَنَّهُ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَحَيَّاهُمْ تَحِيَّةَ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ رَاو رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبْلَ قَتْلِهِمْ إِيَّاهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي يَجْمَعُهَا السَّلَمُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُسْتَسْلِمٌ، وَالْمُحَيِّي بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ مُسْتَسْلِمٌ، وَالْمُتَشَهِّدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ مُسْتَسْلِمٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَمَعْنَى السَّلَمِ جَامِعٌ جَمِيعَ الْمَعَانِي الَّتِي رُوِيَتْ فِي أَمْرِ الْمَقْتُولِ الَّذِي نَزَلَتْ فِي شَأْنِهِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي السَّلَامِ، لِأَنَّ السَّلَامَ لَا وَجْهَ لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَّا التَّحِيَّةَ، فَلِذَلِكَ وَصَفْنَا السَّلَمَ بِالصَّوَابِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [النساء: ٩٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَعْدَ مَا أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ -[٣٦٣]- مُسْتَخْفِيًا فِي قَوْمِهِ بِدِينِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ، كُنْتُمْ أَنْتُمْ مُسْتَخْفِينَ بِأَدْيَانِكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْهُمْ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ