: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٩٤] كُفَّارًا مِثْلَهُ ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: ٩٤] وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَذَلِكَ كُنْتُمْ تُخْفُونَ إِيمَانَكُمْ فِي قَوْمِكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْتُمْ مُقِيمِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ مُقِيمًا بَيْنَ أَظْهُرِ قَوْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مُسْتَخْفِيًا بِدِينِهِ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذَكَرَهُ إِنَّمَا عَاتَبَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بَعْدَ إِلْقَائِهِ إِلَيْهِمُ السَّلَامَ، وَلَمْ يُقِدْ بِهِ قَاتِلُوهُ لِلَّبْسِ الَّذِي كَانَ دَخَلَ فِي أَمْرِهِ عَلَى قَاتِلِيهِ بِمَقَامِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ قَوْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَظَنِّهِمْ أَنَّهُ أَلْقَى السَّلَامَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ تَعَوُّذًا مِنْهُمْ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُمْ عَلَى قَتْلِهِمْ إِيَّاهُ مُشْرِكًا، فَيُقَالَ: كَمَا كَانَ كَافِرًا كُنْتُمْ كُفَّارًا؛ بَلْ لَا وَجْهُ لِذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ عَلَى قَتْلِ مُحَارِبٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُ بِقَتْلِهِ. وَاخْتَلَفَ أَيْضًا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٩٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِإِظْهَارِ دِينِهِ وَإِعْزَازِ أَهْلِهِ، حَتَّى أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بَعْدَ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٩٤] فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ " وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْقَاتِلُونَ الَّذِي أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ -[٣٦٥]- السَّلَامَ طَلَبَ عَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالتَّوْبَةِ مِنْ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُ