﴿وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٨] الَّذِي هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَبِيَدِهِ الْعِقَابُ وَالنَّكَالُ وَتَعْجِيلُ الْعَذَابِ، وَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَوْلَى أَنْ يُعَظَّمَ بِأَنْ لَا يَرَاهُمْ حَيْثُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ [النساء: ١٠٨] يَعْنِي: وَاللَّهُ شَاهِدُهُمْ ﴿إِذْ يُبَيَّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٠٨] يَقُولُ حِينَ يُسَوُّونَ لَيْلًا مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ فَيُغَيِّرُونَهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَكْذِبُونَ فِيهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهُ كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ أُصْلِحَ لَيْلًا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الطَّائِيِّينَ أَنَّ التَّبْيِيتَ فِي لُغَتِهِمُ التَّبْدِيلُ، وَأَنْشَدَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ الطَّائِيِّ فِي مُعَاتَبَةِ رَجُلٍ:
[البحر المتقارب]

وَبَيَّتَ قَوْلِيَ عَبْدَ الْمَلِيكِ قَاتَلَكَ اللَّهُ عَبْدًا كَنُودَا
بِمَعْنَى: بَدَّلْتَ قَوْلِي وَرُوِي عَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يُبَيَّتُونَ﴾ [النساء: ٨١] : يُؤَلِّفُونَ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٠٨] قَالَ: «يُؤَلِّفُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ». -[٤٧٣]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ شَبِيهُ الْمَعْنَى بِالَّذِي قُلْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّأْلِيفَ هُوَ التَّسْوِيَةُ وَالتَّغْيِيرُ عَمَّا هُوَ بِهِ وَتَحْوِيلُهُ عَنْ مَعْنَاهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ قِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٨] الرَّهْطُ الَّذِينَ مَشَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَافَعَةِ عَنْ بَنِي أُبَيْرِقٍ وَالْجِدَالِ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِيمَا مَضَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾ [النساء: ١٠٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ فِيمَا أُوتُوا مِنْ جُرْمِهِمْ حَيَاءً مِنْهُمْ مِنْ تَبْيِيتِهِمْ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ مُحِيطًا مُحْصِيًا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، حَافِظًا لِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَيْهِ جَزَاءَهُمْ


الصفحة التالية
Icon