حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِرَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ»
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، قَالَ: دِينَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ فِعْلُ كُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ خِصَاءِ مَا لَا يَجُوزُ خِصَاؤُهُ، وَوَشْمِ مَا نَهَى عَنْ وَشِمِهْ وَوَشْرِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي، وَدَخَلَ فِيهِ تَرْكُ كُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى جَمِيعِ مَعَاصِي اللَّهِ، وَيَنْهَى عَنْ جَمِيعِ طَاعَتِهِ، فَذَلِكَ مَعْنَى أَمْرِهِ نَصِيبَهُ الْمَفْرُوضَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِتَغْيِيرِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ؛ -[٥٠٣]- وَلَا مَعْنَى لِتَوْجِيهِ مَنْ وَجَّهَ قَوْلَهُ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] إِلَى أَنَّهُ وَعْدَ الْأَمْرَ بِتَغْيِيرِ بَعْضِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ بَعْضِ مَا أَمَرَ بِهِ دُونَ بَعْضٍ. فَإِذْ كَانَ الَّذِي وَجَّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخِصَاءِ وَالْوَشْمِ دُونَ غَيْرِهِ، إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ عَنَى بِهِ تَغْيِيرَ الْأَجْسَامِ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِخْبَارًا عَنْ قِيلِ الشَّيْطَانِ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] مَا يُنْبِئُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ تَبْتِيكَ آذَانِ الْأَنْعَامِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ أَجْسَامٌ. وَقَدْ مَضَى الْخَبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ وَعَدَ الْأَمْرَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ مِنَ الْأَجْسَامِ مُفَسَّرًا، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ الْخَبَرِ عَنْهُ بِهِ مُجْمَلًا، إِذْ كَانَ الْفَصِيحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُتَرْجَمَ عَنِ الْمُجْمَلِ مِنَ الْكَلَامِ بِالْمُفَسَّرِ وَبِالْخَاصِ عَنِ الْعَامِ دُونَ التَّرْجَمَةِ عَنِ الْمُفَسَّرِ بِالْمُجْمَلِ، وَبِالْعَامِ عَنِ الْخَاصِّ، وَتَوْجِيهُ كِتَابِ اللَّهِ إِلَى الْأَفْصَحِ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيلُ


الصفحة التالية
Icon