امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: ١٢٨] الْآيَةُ، وَالَّذِي سَأَلَ الْقَوْمُ فَأُجِيبُوا عَنْهُ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي كَانُوا لَا يُؤْتُونَهُنَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ عَمَّنْ وَرَثَتْهُ عَنْهُ. وأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ آيَاتِ الْفَرَائِضِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَآخِرِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ مِمَّا كُتِبَ لِلنِّسَاءِ إِلَّا بِالنِّكَاحِ، فَمَا لَمْ تُنْكَحْ فَلَا صَدَاقَ لَهَا قِبَلَ أَحَدٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا قِبَلَ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ مِمَّا كُتِبَ لَهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا كُتِبَ لَهَا، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِلٍ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] الْإِقْسَاطَ فِي صَدَقَاتِ يَتَامَى النِّسَاءِ وَجْهٌ، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مُبَيِّنًا عَنِ الْفُتْيَا الَّتِي وَعَدَنَا أَنْ يُفْتِينَاهَا فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ، فَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْضَ الَّذِي يُفْتِينَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ أَمْرُ الْيَتِيمَةِ الْمَحُولِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا، وَالصَّدَاقُ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَيْسَ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا عَلَى أَحَدٍ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الَّتِيَ عُنِيَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الَّتِي قَدْ حِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّذِي كُتِبَ لَهَا مِمَّا يُتْلَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمِيرَاثُ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّهُ لَهُنَّ فِي كِتَابِهِ. فَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهُ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلَ، بَعِيدٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الَّذِيَ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] هُوَ ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ صَارَ الْكَلَامُ مُبْتَدَأً مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] تَرْجَمَةً بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ ﴿فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] وَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ، وَلَا أَثَرَ عَمَّنْ يَعْلَمُ بِقَوْلِهِ صِحَّةَ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ وَصْلُ مَعَانِي الْكَلَامِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ. فَإِذَا كَانَ


الصفحة التالية
Icon