وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى الْكُوفَةِ ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] بِوَاوَيْنِ مِنْ: لَوَانِي الرَّجُلُ حَقِّي، وَالْقَوْمُ يَلْوُونَنِي دَيْنِي، وَذَلِكَ إِذَا مَطَلُوهُ، لَيًّا. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: وَإِنْ (تَلُوا) بِوَاو وَاحِدَةٍ؛ وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا أَرَادَ هَمْزَ الْوَاوِ لِانْضِمَامِهَا، ثُمَّ أَسْقَطَ الْهَمْزَ، فَصَارَ إِعْرَابُ الْهَمْزِ فِي اللَّامِ إِذْ أَسْقَطَهُ، وَبَقِيَتْ وَاوٌ وَاحِدَةٌ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: تَلْوُؤا، ثُمَّ حَذَفَ الْهَمْزَ. وَإِذَا عُنِيَ هَذَا الْوَجْهُ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] بِوَاوَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ الثَّانِيَةَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] وَاوُ جَمْعٍ، وَهِيَ عَلَمٌ لِمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ هَمْزُهَا ثُمَّ حَذْفُهَا بَعْدَ هَمْزِهَا، فَيَبْطُلُ عِلْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ أُدْخِلَتِ الْوَاوُ الْمَحْذُوفَةُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا كَذَلِكَ، أَرَادَ: إِنْ تَلُوا، مِنَ الْوَلَايَةِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَإِنْ تَلُوا أُمُورَ النَّاسِ، أَوْ تَتْرُكُوا. وَهَذَا مَعْنَى إِذَا وَجَّهَ الْقَارِئُ قِرَاءَتَهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا إِلَيْهِ، خَارِجٌ عَنْ مَعَانِي أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَمَا وَجَّهَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ تَأْوِيلَ الْآيَةِ. فَإِذَا كَانَ فَسَادُ ذَلِكَ وَاضِحًا مِنْ كِلَا وَجْهَيْهِ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ غَيْرُهُ أَنْ يُقْرَأَ بِهِ عِنْدَنَا: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] بِمَعْنَى اللَّيِّ: الَّذِي هُوَ مَطْلٌ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِنْ تَدْفَعُوا الْقِيَامَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لِمَنْ لَزِمَكُمُ


الصفحة التالية
Icon