ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: ثنا الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَحِلُّ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحِلُّ لَنَا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ [التوبة: ٢٩] فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ لَمْ يَحِلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ. قَالَ الْحَكَمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ فَأَعْجَبَهُ " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] حَرَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْذَنْ بِنِكَاحِ الْإِمَاءِ الْأَحْرَارِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَاحَهُنَّ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُنَّ مُؤْمِنَاتٍ، فَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ -[١٤٧]- يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] فَلَمْ يُبِحْ مِنْهُنَّ إِلَّا الْمُؤْمِنَاتِ، فَلَوْ كَانَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥] الْعَفَائِفُ، لَدَخَلَ الْعَفَائِفُ مِنْ إِمَائِهِمْ فِي الْإِبَاحَةِ، وَخَرَجَ مِنْهَا غَيْرُ الْعَفَائِفِ مِنْ حَرَائِرِهِمْ وَحَرَائِرِ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا حَرَائِرَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنْ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: ٣٢] وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَنْ أَتَى الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَنِكَاحُ حَرَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَوْ لَمْ يَأْتِينْ بِفَاحِشَةٍ، ذِمِيَّةً كَانَتْ أَوْ حَرْبِيَّةً، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا يَخَافُ النَّاكِحَ فِيهِ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْكُفْرِ، بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] فَأَمَّا قَوْلُ الَّذِي قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْهُنَّ خَاصَّةً، فَقَوْلٌ لَا يُوجِبُ التَّشَاغُلَ بِالْبَيَانِ عَنْهُ لِشُذُوذِهِ وَالْخُرُوجِ عَمَّا عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ مِنْ تَحْلِيلِ نِسَاءِ جَمِيعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة: ٥] فَإِنَّ الْأَجْرَ: الْعِوَضُ الَّذِي يَبْذُلُهُ الزَّوْجُ -[١٤٨]- لِلْمَرْأَةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَهُوَ الْمَهْرُ. كَمَا: