فَأَمَّا الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانَ مُوسَى بَعَثَهُمْ يَتَجَسَّسُونَ الْأَرْضَ، ثُمَّ حَرَّشُوا الْجَمَاعَةَ، فَأَفْشَوْا فِيهِمْ خَبَرَ الشَّرِّ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ بَغْتَةً، وَعَاشَ يُوشَعُ وَكَالِبُ بْنُ يوفنا مِنَ الرَّهْطِ الَّذِينَ انْطَلَقُوا يَتَحَسَّسُونَ الْأَرْضَ. فَلَمَّا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، حَزِنَ الشَّعْبُ حُزْنًا شَدِيدًا، وَغَدَوْا فَارْتَفَعُوا عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَقَالُوا: نَرْتَقِي الْأَرْضَ الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّا قَدْ أَخْطَأْنَا. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: لِمَ تَعْتَدُونَ فِي كَلَامِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، لَا يَصْلُحُ لَكُمْ عَمَلٌ، وَلَا تَصْعَدُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ مَعَكُمْ، فَالْآنَ تَنْكَسِرُونَ مِنْ قُدَّامِ أَعْدَائِكُمْ مِنْ أَجْلِ الْعَمَالِقَةِ وَالْكَنْعَانِيِّينَ أَمَامَكُمْ، فَلَا تَقَعُوا فِي الْحَرْبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمُ انْقَلَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَكُمْ فَأَخَذُوا يَرْقُونَ فِي الْجَبَلِ، وَلَمْ يَبْرَحِ التَّابُوتُ الَّذِي فِيهِ مَوَاثِيقُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَمُوسَى مِنَ الْمَحِلَّةِ؛ يَعْنِي مِنَ الْحِكْمَةِ، حَتَّى هَبَطَ الْعَمَالِيقُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ، فَحَرَّقُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. فتَيَّهُّمُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بِالْمَعْصِيَةِ، حَتَّى هَلَكَ مَنْ كَانَ اسْتَوْجَبَ الْمَعْصِيَةَ مِنَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا شَبَّ النَّوَاشِئُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ، وَهَلَكَ آبَاؤُهُمْ، وَانْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً الَّتِي تَتَيَّهُوا فِيهَا وَسَارَ بِهِمْ مُوسَى وَمَعَهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بْنُ يوفنا، وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَلَى مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ أُخْتِ مُوسَى وَهَارُونَ، وَكَانَ لَهُمَا صِهْرًا؛ قَدِمَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى أَرِيحَاءَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَخَلَهَا بِهِمْ، وَقَتَلَ الْجَبَابِرَةَ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا، ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ لَا يَعْلَمُ قَبْرَهُ أَحَدٌ مِنَ


الصفحة التالية
Icon