عِنْدَهُمْ. وَإِذَا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ خِطَابًا لَا يُفِيدُهُمْ بِهِ مَعْنًى، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَنَى ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، لَا ابْنَيْ بَنِيهِ الَّذِينَ بَعُدَ مِنْهُ نَسَبُهُمْ مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالسِّيَرِ وَالْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ وَفِي عَهْدِ آدَمَ وَزَمَانِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ نُصَّ عَنْهُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ كَثِيرًا مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا حُسَامُ بْنُ مِصَكٍّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: " لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، مَكَثَ آدَمُ مِائَةَ سَنَةٍ حَزِينًا لَا يَضْحَكُ، ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: حَيَّاكَ اللَّهُ وَبَيَّاكَ. فَقَالَ: بَيَّاكَ: أَضْحَكَكَ "
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، بَكَى آدَمُ فَقَالَ:
[البحر الوافر]

تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الْمَلِيحِ
فَأُجِيبَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ -[٣٢٦]-:
[البحر الوافر]
أَبَا هَابِيلَ قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا وَصَارَ الْحَيُّ كَالْمَيْتِ الذَّبِيحِ
وَجَاءَ بِشَرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا عَلَى خَوْفٍ فَجَاءَ بِهَا يَصِيحُ
وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي تَقْرِيبِهِمَا مَا قَرَّبَا، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ قَرَّبَا، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ تَقْرِيبَهُمَا مَا قَرَّبَا كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَلَمْ يُقَرِّبَا ذَلِكَ إِلَّا طَلَبَ قُرْبَةٍ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾ [المائدة: ٢٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: قَالَ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ قُرْبَانُهُ لِلَّذِي تُقُبِّلَ مِنْهُ قُرْبَانُهُ: لَأَقْتُلَنَّكَ. فَتَرَكَ ذِكْرَ الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ وَالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ قُرْبَانُهُ، اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرِهِمَا عَنْ إِعَادَتِهِ، وَكَذَلِكَ تَرَكَ ذِكْرَ الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧]. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:


الصفحة التالية
Icon