مِنَ اللَّهِ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ: جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّتِنَا وَمِلَّتِنَا وَاحِدٌ، وَالَّذِينَ عُنُوا بِالْآيَةِ كَانُوا أَهْلَ عَهْدٍ وَذِمَّةٍ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلَا فِي حُكْمِهَا كُلُّ ذَمِّيٍّ وَمِلِّيٍّ، وَلَيْسَ يُبْطِلُ بِدُخُولِ مَنْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا نُزُولُهَا فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَسْخِ حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُرَنِيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ حُكْمٌ مَنْسُوخٌ، نَسَخَهُ نَهْيُهُ عَنِ الْمُثْلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، أَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، وَقَالُوا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِتَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلَ بِالْعُرَنِيِّينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ فِعْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي نُظَرَائِهِمْ أَبَدًا، لَمْ يُنْسَخْ وَلَمْ يُبَدَّلْ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ فِيمَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا بِالْحِرَابَةِ. قَالُوا: وَالْعُرَنِيُّونَ ارْتَدُّوا وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَحُكْمُهُمْ غَيْرُ حُكْمِ الْمُحَارِبِ السَّاعِي فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَسْمُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَسْمُلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ يُعَرِّفُهُ الْحُكْمَ فِيهِمْ وَنَهَاهُ عَنْ سَمْلِ أَعْيُنِهُمْ
ذِكْرُ الْقَائِلِينَ مَا وَصَفْنَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ذَاكَرْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ -[٣٦٩]- مَا كَانَ مِنْ سَمْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرْكِهِ حَسْمَهُمْ حَتَّى مَاتُوا، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاتِبَةً فِي ذَلِكَ، وَعَلَّمَهُ عُقُوبَةَ مِثْلِهِمْ مِنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَالنَّفْيِ، وَلَمْ يَسْمُلْ بَعْدَهُمْ غَيْرَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ ذُكِرَ لِأَبِي عَمْرٍو، فَأَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ مُعَاتِبَةً، وَقَالَ: بَلَى كَانَتْ عُقُوبَةُ أُولَئِكَ النَّفْرِ بِأَعْيَانِهِمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عُقُوبَةِ غَيْرِهِمْ مَنْ حَارَبَ بَعْدَهُمْ فَرَفَعَ عَنْهُمُ السَّمْلَ "


الصفحة التالية
Icon