ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، قَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فِعْلُهُ وَإِقَامَتُهُ، فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْإِسْلَامِ، إِلَّا لِحَاءَ الْقَلَائِدِ، فَتُرِكَ ذَلِكَ. ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إِخَافَتَهُمْ " حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَسَخَ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ قِتَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لَوْ قَلَّدَ -[٤٠]- عُنُقَهُ أَوْ ذِرَاعَيْهِ لِحَاءَ جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنَ الْقَتْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْدُ ذِمَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَانٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْقَلَائِدِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] فَإِنَّهُ مُحْتَمَلُ ظَاهِرِهِ: وَلَا تُحِلُّوا حُرْمَةَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ، لِعُمُومِ جَمِيعِ مَنْ أَمَّ الْبَيْتَ. وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ، فَكَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ دَاخِلِينَ فِي جُمْلَتِهِمْ، فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] نَاسِخٌ لَهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ اجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِقَتْلِهِمْ وَتَرْكِ قَتْلِهِمْ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُهُمْ، أَمُّوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ أَوِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا، مَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمْ إِذَا أَمُّوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَنْسُوخٌ، وَمُحْتَمِلٌ أَيْضًا: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَهُوَ أَيْضًا لَا شَكَّ مَنْسُوخٌ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ظَاهِرٌ، وَكَانَ مَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِيهِمْ ظَاهِرَ الْحُجَّةِ، فَالْوَاجِبُ وَإِنِ احْتَمَلَ ذَلِكَ مَعْنَى غَيْرِ الَّذِي قَالُوا، التَّسْلِيمُ لِمَا اسْتَفَاضَ بِصِحَّتِهِ نَقْلُهُمْ "


الصفحة التالية
Icon