ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ﴾ [المائدة: ٤١] كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: إِذَا زَنَى مِنْكُمْ أَحَدٌ فَارْجُمُوهُ. فَلَمْ يَزَالُوا بِذَلِكَ حَتَّى زَنَى رَجُلٌ مِنْ خِيَارِهِمْ؛ فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْجُمُونَهُ، قَامَ الْخِيَارُ وَالْأَشْرَافُ فَمَنَعُوهُ. ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ، فَاجْتَمَعُوا لِيَرْجُمُوهُ، فَاجْتَمَعَتِ الضُّعَفَاءُ فَقَالُوا: لَا تَرْجُمُوهُ حَتَّى تَأْتُوا بِصَاحِبِكُمْ فَتَرْجُمُونَهُمَا جَمِيعًا. فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْنَا، فَتَعَالَوْا فَلْنُصْلِحْهُ. فَتَرَكُوا الرَّجْمَ، وَجَعَلُوا مَكَانَهُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً بِحَبْلٍ مُقَيَّرٍ وَيُحَمِّمُونَهُ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ إِلَى ذَنَبِهِ، وَيُسَوِّدُونَ وَجْهَهُ، وَيَطُوفُونَ بِهِ. فَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَزَنَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَهُودِ، يُقَالَ لَهَا بُسْرَةُ، فَبَعَثَ أَبُوهَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَلُوهُ عَنِ -[٤٢٢]- الزِّنَا وَمَا نُزِّلَ إِلَيْهِ فِيهِ؛ فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَفْضَحَنَا وَيُخْبِرَنَا بِمَا صَنَعْنَا، فَإِنْ أَعْطَاكُمُ الْجَلْدَ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوهُ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: «الرَّجْمُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] حِينَ حَرَّفُوا الرَّجْمَ فَجَعَلُوهُ جَلْدًا " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ، هُمُ السَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ كَانُوا مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْمُوعُ لَهُمْ مِنْ يَهُودِ فَدَكٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مِنْ غَيْرِهِمْ. غَيْرَ أَنَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَهُوَ مِنْ صِفَةِ قَوْمٍ مِنْ يَهُودَ سَمِعُوا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ بَغَتْ فِيهِمْ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ، وَأَنَّ حُكْمَهَا فِي التَّوْرَاةِ التَّحْمِيمُ وَالْجَلْدُ، وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُكْمِ اللَّازِمِ لَهَا، وَسَمِعُوا مَا يَقُولُ فِيهَا قَوْمُ الْمَرْأَةِ الْفَاجِرَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَكِمِينَ إِلَيْهِ فِيهَا. وَإِنَّمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ لَهُمْ لِيُعَلِّمُوا أَهْلَ الْمَرْأَةِ الْفَاجِرَةِ مَا يَكُونُ مِنْ جَوَابِهِ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمِهِ الرَّجْمُ رَضُوا بِهِ حَكَمًا فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ الرَّجْمُ حَذَرُوهُ وَتَرَكُوا الرِّضَا بِهِ وَبِحُكْمِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ