أُمُورِهِمْ وَالْقِيَامِ بَمَصَالِحِهِمْ. وَالْأَحْبَارُ: هُمُ الْعُلَمَاءُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّبَّانِيِّينَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَأَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ. وَأَمَّا الْأَحْبَارُ: فَإِنَّهُمْ جَمْعُ حَبْرٍ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُحْكِمُ لِلشَّيْءِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِكَعْبٍ: كَعْبُ الْأَحْبَارِ. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ فِي وَاحِدِ الْأَحْبَارِ: حَبْرٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ: عُنِيَ بِالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: ابْنَا صُورِيَا اللَّذَانِ أَقَرَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ مِنَ الْيَهُودِ أَخَوَانِ يُقَالَ لَهُمَا ابْنَا صُورِيَا، وَقَدِ اتَّبَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسْلِمَا، وَأَعْطَيَاهُ عَهْدًا أَنْ لَا يَسْأَلَهُمَا عَنْ شَيْءٍ فِي التَّوْرَاةِ إِلَّا أَخْبَرَاهُ بِهِ. وَكَانَ أَحَدُهُمَا رِبِّيًّا، وَالْآخَرُ حَبْرًا، وَإِنَّمَا اتَّبَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ. فدَعَاهُمَا فَسَأَلَهُمَا، فَأَخْبَرَاهُ الْأَمْرَ كَيْفَ كَانَ حِينَ زَنَى الشَّرِيفُ وَزَنَى الْمِسْكِينُ، وَكَيْفَ غَيَّرُوهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤] يَعْنِي: " النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ: هُمَا ابْنَا صُورِيَا. ﴿لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤] ثُمَّ ذَكَرَ ابْنَيْ صُورِيَا، فَقَالَ: ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا -[٤٥٣]- مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ التَّوْرَاةَ يَحْكُمُ بِهَا مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاءِ لِلْيَهُودِ وَالرَّبَّانِيُّونَ مِنْ خَلْقِهِ وَالْأَحْبَارُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِذَلِكَ ابْنَا صُورِيَا وَغَيْرُهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاءِ وَكُلُّ رَبَّانِيٍّ وَحَبْرٍ، وَلَا دَلَالَةَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ خَاصٌّ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ، وَلَا قَامَتْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، فَكُلُّ رَبَّانِيٍّ وَحَبْرٍ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الْأَحْبَارِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ