ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ، بِالْفَتْحِ﴾ [المائدة: ٥٢] قَالَ: «فَتْحُ مَكَّةَ» وَالْفَتْحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ الْقَضَاءُ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ﴾ [المائدة: ٥٢] فَتْحُ مَكَّةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عَظِيمِ قَضَاءِ اللَّهِ وَفَصْلِ حُكْمِهِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَيُقَرِّرُ عِنْدَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ أَنَّ اللَّهَ مُعْلِي كَلَّمِتِهِ وَمُوهِنُ كَيَدِ الْكَافِرِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ [المائدة: ٥٢] فَإِنَّ السُّدِّيَّ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ [المائدة: ٥٢] قَالَ: " الْأَمْرُ: الْجِزْيَةُ " وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، هُوَ الْجِزْيَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهَا. غَيْرَ أَنَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِمَّا فِيهِ إِدَالَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَمِمَّا يَسُوءُ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَسُرُّهُمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ إِذَا جَاءَ أَصْبَحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: ٥٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَأْتِيَ -[٥١٥]- بِأَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يُدِيلُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، فَيُصْبِحُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ مُخَالَّةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَوَدَّتِهِمْ وَبَغْضَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُحَادَّتِهِمْ نَادِمِينَ. كَمَا: