ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤] يَزْعُمُ أَنَّهُمُ الْأَنْصَارُ " وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤] أَبَا بَكْرٍ وَأَصْحَابَهُ فِي قِتَالِهِمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي اللَّهُ مَنِ ارْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِنْهُمْ عَلَى أَيْدِيهِمْ. وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ وَالرِّوَايَةُ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ﴾ [المائدة: ٥٤] قَالَ: " يَقُولُ: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ الْمُرْتَدَّةَ فِي دُورِهِمْ، بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ بِأَبِي بَكْرٍ وَأَصْحَابِهِ " وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: أَهْلُ الْيَمَنِ؛ فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَرْتَدُّوا بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَعْوَانًا لَهُمْ وَأَنْصَارًا. وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ بَعْضِ مَنْ كَانَ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ [المائدة: ٥٤]-[٥٢٥]- الْآيَةُ؛ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ مَنِ ارْتَدَّ مِنْكُمْ أَنَّهُ سَيَسْتَبْدِلُ خَيْرًا مِنْهُمْ " وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ الْأَنْصَارَ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، مَا رُوِيَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ قَوْمُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَلَوْلَا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ مَا كَانَ الْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ قَوْمًا كَانُوا أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ كُفَّارًا، غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهَ مِمَّنْ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ مَعَهَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْدِنَ الْبَيَانِ عَنْ تَأْوِيلِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ وَآيِ كِتَابِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَأْتِي بِهِمْ عِنْدَ ارْتِدَادِ مَنِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَهَلْ كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ أَيَّامَ قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ أَهْلَ الرِّدَّةِ أَعْوَانَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى قِتَالِهِمْ، حَتَّى تَسْتَجِيزَ أَنْ تُوَجِّهَ تَأْوِيلَ الْآيَةِ إِلَى مَا وُجِّهَتْ إِلَيْهِ؟ أَمْ لَمْ يَكُونُوا أَعْوَانًا لَهُ عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ اسْتَجَزْتَ أَنْ تُوَجِّهَ تَأْوِيلَ الْآيَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا خُلْفَ لِوَعْدِ اللَّهِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَعِدِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُبْدِلَهُمْ بِالْمُرْتَدِّينَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ -[٥٢٦]- خَيْرًا مِنَ الْمُرْتَدِّينَ لِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِمْ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْهُمْ، يَعِدُ فِعْلَ ذَلِكَ بِهِمْ قَرِيبًا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَجَاءَ بِهِمْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَكَانَ مَوْقِعُهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ أَحْسَنَ مَوْقِعٍ، وَكَانُوا أَعْوَانَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنْفَعَ لَهُمْ مِمَّنْ كَانَ ارْتَدَّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طِغَامِ الْأَعْرَابِ وَجُفَاةِ أَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ كَانُوا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَلَا لَا نَفْعًا. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ [المائدة: ٥٤] فَقَرَأْتُهُ قُرَّاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ» بِإِظْهَارِ التَّضْعِيفِ بِدَالَيْنِ مَجْزُومَةَ الدَّالِ الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفِهِمْ. وَأَمَّا قُرَّاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ [المائدة: ٥٤] بِالْإِدْغَامِ بِدَالٍ وَاحِدَةٍ وَتَحْرِيكِهَا إِلَى الْفَتْحِ بِنَاءً عَلَى التَّثْنِيَةِ، لِأَنَّ الْمَجْزُومَ الَّذِي يَظْهَرُ تَضْعِيفُهُ فِي الْوَاحِدِ إِذَا ثُنِّيَ أُدْغِمَ، وَيُقَالَ لِلْوَاحِدِ: ارْدُدْ يَا فُلَانُ إِلَى فُلَانٍ حَقَّهُ، فَإِذَا ثُنِّيَ قِيلَ: رُدَّا إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَلَا يُقَالَ: ارْدُدَا. وَكَذَلِكَ فِي الْجَمْعِ رُدُّوا، وَلَا يُقَالَ: ارْدُدُوا. فَتَبْنِي الْعَرَبُ أَحْيَانًا الْوَاحِدَ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَتُظْهِرُ أَحْيَانًا فِي الْوَاحِدِ التَّضْعِيفَ لِسُكُونِ لَامِ الْفِعْلِ، وَكِلْتَا اللُّغَتَيْنِ فَصِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْعُرْفُ. وَالْقِرَاءَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي مَصَاحِفِنَا وَمَصَاحِفِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ بِدَالٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ بِتَرْكِ إِظْهَارِ التَّضْعِيفِ وَبِفَتْحِ الدَّالِّ لِلْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفْتُ


الصفحة التالية
Icon