الْعَبْدَةِ لِلْإِضَافَةِ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
قَامَ وُلَاهَا فَسَقَوْهُ صَرْخَدَا
يُرِيدُ: قَامَ وُلَاتُهَا، فَحَذَفَ التَّاءَ مِنْ وُلَاتِهَا لِلْإِضَافَةِ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرَّاءَ فَبِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ بَدَأْتُ بِذِكْرِهِمَا، وَهُوَ: «وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» بِنَصْبِ الطَّاغُوتِ وَإِعْمَالِ عَبَدَ فِيهِ، وَتَوْجِيهِ عَبَدَ إِلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْعِبَادَةِ. وَالْآخَرُ: «عَبُدَ الطَّاغُوتِ» عَلَى مِثَالِ فَعُلَ، وَخَفْضِ الطَّاغُوتِ بِإِضَافَةِ عَبُدَ إِلَيْهِ. فَإِذَا كَانَتْ قِرَاءَةُ الْقُرَّاءَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَوْجُهِ الَّتِي هِيَ أَصَحُّ مَخْرَجًا فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْهُمَا، فَأَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ مِنَ الْقِرَاءَةِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ [المائدة: ٦٠] بِمَعْنَى: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ، وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوتَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ: «وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدُوا الطَّاغُوتَ» بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ عَبَدُوا الطَّاغُوتَ. فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى صِحَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ: وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوتَ، وَأَنَّ النَّصَبَ بِالطَّاغُوتِ أَوْلَى عَلَى مَا وَصَفْتُ فِي الْقِرَاءَةِ لِإِعْمَالِ عَبَدَ فِيهِ، إِذْ كَانَ الْوَجْهُ الْآخَرُ غَيْرَ مُسْتَفِيضٍ فِي الْعَرَبِ وَلَا مَعْرُوفٍ فِي كَلَامِهَا عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ يَسْتَنْكِرُونَ إِعْمَالَ شَيْءٍ فِي مَنْ وَالَّذِي الْمُضْمَرَيْنِ مَعَ مَنْ وَفِي إِذَا كَفَّتْ مَنْ أَوْ فِي مِنْهُمَا، وَيَسْتَقْبِحُونَهُ، حَتَّى كَانَ