بِجَارِحَةٍ كَجَوَارِحِ بَنِي آدَمَ. قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ خُصُوصِيَّةِ آدَمَ بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ إِيَّاهُ بِيَدِهِ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ لِخُصُوصِيَّةِ آدَمَ بِذَلِكَ وَجْهٌ مَفْهُومٌ، إِذْ كَانَ جَمِيعُ خَلْقِهِ مَخْلُوقِينَ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتُهُ فِي خَلْقِهِ تَعُمُّهُ وَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ مَالِكٌ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ خَصَّ آدَمَ بِذِكْرِهِ خَلْقَهُ إِيَّاهُ بِيَدِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ عِبَادِهِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ بِذَلِكَ لِمَعْنَى بِهِ فَارَقَ غَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى الْيَدِ مِنَ اللَّهِ الْقُوَّةُ وَالنِّعْمَةُ أَوِ الْمُلْكُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالُوا: وَأَحْرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الزَّاعِمُونَ إِنَّ يَدَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: ٦٤] هِيَ نِعْمَتُهُ، لَقِيلَ: بَلْ يَدُهُ مَبْسُوطَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ: بَلْ يَدَاهُ، لِأَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصَى بِكَثْرَةٍ؛ وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّنْزِيلُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] قَالُوا: وَلَوْ كَانَتْ نِعْمَتَيْنِ كَانَتَا مُحْصَاتَيْنِ قَالُوا: فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ النِّعْمَتَيْنِ بِمَعْنَى النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ، فَذَلِكَ مِنْهُ خَطَأٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ الْجَمِيعَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِأَدَاءِ الْوَاحِدِ عَنْ جَمِيعِ جِنْسِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ [البلد: ٤] وَقَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] قَالَ: " فَلَمْ يُرَدْ بِالْإَِنْسَانِ وَالْكَافِرِ فِي هَذِهِ الْإِمَاكِنِ إِنْسَانٌ بِعَيْنِهِ، وَلَا كَافِرٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ حَاضِرٌ، بَلْ عُنِيَ بِهِ جَمِيعُ الْإِنْسِ وَجَمِيعُ الْكُفَّارِ، وَلَكِنَّ


الصفحة التالية
Icon