حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا جَامِعُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧] الْآيَةَ، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَضُوا النِّسَاءَ وَاللَّحْمَ وَأَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا الصَّوَامِعَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِي دِينِي تَرْكُ النِّسَاءِ وَاللَّحْمِ، وَلَا اتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ» وَخُبِّرْنَا أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّفَقُوا، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ اللَّيْلَ لَا أَنَامُ، وَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ النَّهَارَ فَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آتِي النِّسَاءَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «لَكِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَآتِي النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». وَكَانَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِكَ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِكَ، وَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ». وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: «إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَهَؤُلَاءِ إِخْوَانُهُمْ فِي الدُّورِ وَالصَّوَامِعِ، اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَاسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ لَكُمْ»
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: ٨٧]، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَوْمًا، فَذَكَّرَ النَّاسَ، ثُمَّ قَامَ -[٦١٠]- وَلَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى التَّخْوِيفِ، فَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا عَشَرَةً، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ: مَا حَقُّنَا إِنْ لَمْ نُحْدِثْ عَمَلًا، فَإِنَّ النَّصَارَى قَدْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَنَحْنُ نُحَرِّمُ. فَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ أَكْلَ اللَّحْمِ وَالْوَدَكِ، وَأَنْ يَأْكُلَ بِالنَّهَارِ، وَحَرَّمَ بَعْضُهُمُ النَّوْمَ، وَحَرَّمَ بَعْضُهُمُ النِّسَاءَ، فَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ مِمَّنْ حَرَّمَ النِّسَاءَ، وَكَانَ لَا يَدْنُو مِنْ أَهْلِهِ وَلَا يَدْنُونَ مِنْهُ، فَأَتَتِ امْرَأَتُهُ عَائِشَةَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: الْحَوْلَاءُ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَمَنْ عِنْدَهَا مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُكِ يَا حَوْلَاءُ مُتَغَيِّرَةَ اللَّوْنِ، لَا تَمْتَشِطِينَ وَلَا تَطَيَّبِينَ؟ فَقَالَتْ: وَكَيْفَ أَتَطَيَّبُ وَأَمْتَشِطُ وَمَا وَقَعَ عَلَيَّ زَوْجِي وَلَا رَفَعَ عَنِّي ثَوْبًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَجَعَلْنَ يَضْحَكْنَ مِنْ كَلَامِهَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ يَضْحَكْنَ، فَقَالَ: «وَمَا يُضْحِكْكُنَّ؟» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَوْلَاءُ سَأَلْتُهَا عَنْ أَمْرِهَا، فَقَالَتْ: مَا رَفَعَ عَنِّي زَوْجِي ثَوْبًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَدَعَاهُ فَقَالَ: «مَا بَالُكَ يَا عُثْمَانُ؟» قَالَ: إِنِّي تَرَكْتُهُ لِلَّهِ لِكَيْ أَتَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ. وَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَجُبَّ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا رَجَعْتَ فَوَاقَعْتَ أَهْلَكَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: «أَفْطِرْ»، فَأَفْطَرَ وَأَتَى أَهْلَهُ فَرَجَعَتِ الْحَوْلَاءُ إِلَى عَائِشَةَ قَدِ اكْتَحَلَتْ وَامَتَشَطَتْ وَتَطَيَّبَتْ. فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: مَا بَالُكِ يَا حَوْلَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَتَاهَا أَمْسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ وَالنَّوْمَ؟ أَلَا إِنِّي أَنَامُ وَأَقُومُ، وَأُفْطِرُ وَأَصُومُ، وَأَنْكَحُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا -[٦١١]- أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٨٧]، يَقُولُ لِعُثْمَانَ: لَا تَجُبَّ نَفْسَكَ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الِاعْتِدَاءُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا أَيْمَانَهُمْ، فَقَالَ: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩]