وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَإِنَّهُ يُوصَفْ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَحَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ الْمُحَلِّلَةِ دُونَ الْمَوْتِ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَوْصُوفًا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فَمَا إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهَا، وَقَدْ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ. وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَكُلُّ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتَهُ مِنْ طَائِرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهِ وَمُفَارَقَةِ رُوحِهِ جَسَدَهُ، فَحَلَالٌ أَكْلُهُ إِذَا كَانَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدَكَ، فَمَا وَجْهُ تَكْرِيرُهُ مَا كُرِّرَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِيَّةُ﴾ [المائدة: ٣] وَسَائِرُ مَا عَدَّدَ تَحْرِيمَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدِ افْتَتَحَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] شَامِلٌ كُلَّ مَيْتَةٍ كَانَ مَوْتُهُ حَتْفَ أَنْفِهِ، مِنْ عِلَّةٍ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ مَوْتُهُ مِنْ ضَرْبِ ضَارِبٍ إِيَّاهُ، أَوِ انْخِنَاقٍ مِنْهُ أَوِ انْتِطَاحٍ أَوْ فَرْسِ سَبُعٍ؟ وَهَلَا كَانَ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْمَيْتَةُ بِالِانْخِنَاقِ وَالنِّطَاحِ وَالْوَقْذِ وَأَكْلِ السَّبُعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ تَحْرِيمُهُ إِذَا تَرَدَّى أَوِ انْخَنَقَ، أَوْ فَرَسَهُ السَّبُعُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَيَاةِ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] مُغْنِيًا مِنْ تَكْرِيرِ مَا كُرِّرَ بِقَوْلِهِ {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ