الْإِسْلَامِ " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ لِقَتْلِهِ بَعْدَ نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُ لَمْ يُخْبِرْنَا وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ الصَّيْدَ عَمْدًا مَا أَوْجَبَ مِنَ الْجَزَاءِ أَوِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: ٩٥] أَنَّهُ قَدْ أَزَالَ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، بَلْ أَعْلَمَ عِبَادَهُ مَا أَوْجَبَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُنْتَقِمٌ مِمَّنْ عَادَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُزِيلَةٌ لِلْعِقَابِ، وَلَوْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ لَازِمَةً لَهُ فِي الدُّنْيَا لَبَطَلَ الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ عُقُوبَاتِ مَعَاصِيهِ بِمَا شَاءَ وَأَحَبَّ، فَيَزِيدُ فِي عُقُوبَتِهِ عَلَى بَعْضِ مَعَاصِيهِ مِمَّا يَنْقُصُ مِنْ بَعْضٍ، وَيَنْقُصُ مِنْ بَعْضٍ مِمَّا يَزِيدُ فِي بَعْضٍ، كَالَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي مُخَالَفَتِهِ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ الزَّانِيَ الْبِكْرَ وَالزَّانِيَ الثَّيِّبَ الْمُحْصَنَ، وَبَيْنَ سَارِقِ رُبْعِ دِينَارٍ وَبَيْنَ سَارِقِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ خَالَفَ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ قَاتِلَ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا ابْتِدَاءً وَبَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَوْدًا بَعْدَ بَدْءٍ، فَأَوْجَبَ عَلَى الْبَادِئِ الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ، أَوِ الْكَفَّارَةَ بِالْإِطْعَامِ، أَوِ الْعَدْلَ مِنَ الصِّيَامِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَةَ جُرْمِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ [المائدة: ٩٥]، وَجَعَلَ عَلَى الْعَائِدِ بَعْدَ الْبَدْءِ، وَزَادَهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ مَا أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ فَاعِلٌ مِنَ الِانْتِقَامِ تَغْلِيظًا مِنْهُ لِلْعَوْدِ بَعْدَ الْبَدْءِ. وَلَوْ كَانَتْ عُقُوبَاتُهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ مُتَّفِقَةً، لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حَدٌّ فِي شَيْءٍ مُخَالِفًا حَدًّا فِي غَيْرِهِ، وَلَا عِقَابَ فِي الْآخِرَةِ أَغْلَظَ مِنْ عِقَابٍ،


الصفحة التالية
Icon