السَّمَاءِ، عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَتْ مَسْأَلَتُهُمْ، فَقَدْ أَحَلَّهُمُ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّاءِ وَنَصْبِ الرَّبِّ مَحِلًّا أَعْظَمَ مِنَ الْمَحِلِّ الَّذِي ظَنُّوا أَنَّهُمْ نَزَّهُوا رَبَّهُمْ عَنْهُ، أَوْ يَكُونُوا سَأَلُوا ذَلِكَ عِيسَى وَهُمْ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيُّ مَبْعُوثٌ وَرَسُولٌ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا سَأَلُوا مِنْ ذَلِكَ قَادِرٌ. فَإِنْ كَانُوا سَأَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مَسْأَلَتُهُمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا يَسْأَلُ أَحَدُهُمْ نَبِيَّهُ، إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَبَّهُ أَنْ يُغْنِيَهُ، وَإِنْ عَرَضَتْ بِهِ حَاجَةٌ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَبَّهُ أَنْ يَقْضِيَهَا، فَأَنَّى ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْآيَةِ فِي شَيْءٍ؟ بَلْ ذَلِكَ سُؤَالُ ذِي حَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ إِلَى رَبِّهِ، فَسَأَلَ نَبِيَّهُ مَسْأَلَةَ رَبِّهِ أَنْ يَقْضِيَهَا لَهُ. وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْقَوْمِ يُنْبِئُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِعِيسَى، إِذْ قَالَ لَهُمُ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ [المائدة: ١١٣]، فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا مِنْ قِيلِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى قَدْ صَدَقَهُمْ، وَلَا اطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ، فَلَا بَيَانَ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا قَدْ خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مَرَضٌ وَشَكٌّ فِي دِينِهِمْ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِمْ، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا مَا سَأَلُوا مِنْ ذَلِكَ اخْتِبَارًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ