حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذِ انْتَطَحَتْ عَنْزَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ فِيمَا انْتَطَحَتَا؟» قَالُوا: لَا نَدْرِي، قَالَ: «لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا»
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: ثنا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: انْتَطَحَتْ شَاتَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَدْرِي فِيمَ انْتَطَحَتَا؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا» قَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُقَلِّبُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلَّا ذَكَرَنَا مِنْهُ عِلْمًا " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ مَحْشُورٌ إِلَيْهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ حَشْرُ الْقِيَامَةِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ حَشْرُ الْمَوْتِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ الْحَشْرَانِ جَمِيعًا. وَلَا دَلَالَةَ فِي ظَاهِرِ -[٢٣٧]- التَّنْزِيلِ وَلَا فِي خَبَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ ذَلِكَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٨]، إِذْ كَانَ الْحَشْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْجَمْعُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالطَّيْرُ مَحْشُورَةٌ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٩] يَعْنِي: مَجْمُوعَةٌ، فَإِذْ كَانَ الْجَمْعُ هُوَ الْحَشْرُ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَامِعًا خَلْقَهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَامِعَهُمْ بِالْمَوْتِ، كَانَ أَصَوْبُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُعَمَّ بِمَعْنَى الْآيَةِ مَا عَمِّهُ اللَّهُ بِظَاهِرِهَا، وَأَنْ يُقَالَ: كُلُّ دَابَّةٍ وَكُلُّ طَائِرٍ مَحْشُورٌ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْفَنَاءِ وَبَعْدَ بَعْثِ الْقِيَامَةِ، إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٨]، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ حَشْرًا دُونَ حَشْرٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨]، وَهَلْ يَطِيرُ الطَّائِرُ إِلَّا بِجَنَاحَيْهِ؟ فَمَا فِي الْخَبَرِ عَنْ طَيَرَانِهِ بِالْجَنَاحَيْنِ مِنَ الْفَائِدَةِ؟ قِيلَ: قَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِيمَا مَضَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْكِتَابَ بِلِسَانِ قَوْمٍ وَبِلُغَاتِهِمْ وَمَا يَتَعَارَفُونَهُ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَعْمِلُونَهُ فِي مَنْطِقِهِمْ خَاطِبَهُمْ، فَإِذْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ إِذَا أَرَادُوا الْمُبَالَغَةَ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَقُولُوا: كَلَّمْتُ فُلَانًا بِفَمِي، وَمَشَيْتُ إِلَيْهِ بِرِجْلِي، وَضَرَبْتُهُ بِيَدِي، خَاطَبَهُمْ تَعَالَى بِنَظِيرِ مَا يَتَعَارَفُونَهُ فِي كَلَامِهِمْ وَيَسْتَعْمِلُونَهُ فِي خِطَابِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص: ٢٣]


الصفحة التالية
Icon