ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٥]، قَالَ: هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: ٦٥] قَالَ: هَذَا لِلْمُسْلِمِينَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَعَّدَ بِهَذِهِ الْآيَةَ أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِيَّاهُمْ خَاطَبَ بِهَا، لِأَنَّهَا بَيْنَ إِخْبَارٍ عَنْهُمْ وَخِطَابٍ لَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَتْلُو قَوْلَهُ: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ٦٤]، وَيَتْلُوهَا قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾ [الأنعام: ٦٦]، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كَانُوا بِهِ مُكَذِّبِينَ. فَإِذَا كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ وَعِيدٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ وَصْفُ اللَّهِ إِيَّاهُ بِالشِّرْكِ، وَتَأَخَّرَ الْخَبَرُ عَنْهُ بِالتَّكْذِيبِ، لَا لِمَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ عَمَّ وَعِيدَهُ بِذَلِكَ كُلَّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَالتَّكْذِيبِ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً» فَجَائِزٌ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعِيدًا -[٣٠٩]- لِمَنْ ذَكَرْتُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ مِنَ الْمُخَالِفِينَ رَبَّهُمْ، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ أَنْ يُعِيذَ أُمَّتَهُ مِمَّا ابْتَلَى بِهِ الْأُمَمَ الَّذِينَ اسْتَوْجَبُوا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ، فَأَعَاذَهُمْ بِدُعَائِهِ إِيَّاهُ وَرَغْبَتِهِ إِيَّاهُ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي يَسْتَحِقُّونَ بِهَا مِنْ هَذِهِ الْخَلَّالِ الْأَرْبَعِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ أَغْلَظِهَا، وَلَمْ يُعِذْهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ اثْنَتَيْنِ مِنْهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ تَأَوَّلُوا أَنَّهُ عُنِيَ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَذِهِ الْأُمَّةَ، فَإِنِّي أَرَاهُمْ تَأَوَّلُوا أَنَّ فِيَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ سَيَأْتِي مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَرُكُوبِ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ نَحْوَ الَّذِي رَكِبَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِنْ خِلَافِهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، فَيَحِلُّ بِهِمْ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ وَالنِّقْمَاتِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: جَاءَ مِنْهُنَّ اثْنَتَانِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ، وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِهِ سَيَبِيتُونَ عَلَى لَهْو وَلَعِبٍ ثُمَّ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ». وَذَلِكَ إِذَا كَانَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ نَظِيرُ الَّذِي فِي الْأُمَمِ الَّذِينَ عَتَوْا عَلَى رَبِّهِمْ فِي التَّكْذِيبِ وَجَحَدُوا آيَاتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيٍّ