وَهَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُجَّتِهِ عَلَى مُشْرِكِي قَوْمِهِ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَنْدَادَ وَالْآمِرِينَ لَكَ بِاتِّبَاعِ دِينِهِمْ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مَعَهُمْ: أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعِنَا أَوْ ضَرِّنَا، فَنَخُصَّهُ بِالْعِبَادَةِ دُونَ اللَّهِ، وَنَدَعُ عِبَادَةَ الَّذِي بِيَدِهِ الضَّرُّ وَالنَّفْعُ وَالْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَلَا شَكَّ أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خِدْمَةَ مَا يُرْتَجَى نَفْعُهُ وَيُرْهَبُ ضَرُّهُ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ خِدْمَةِ مَنْ لَا يُرْجَى نَفْعُهُ وَلَا يُخْشَى ضَرُّهُ. ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ [الأنعام: ٧١] يَقُولُ: وَنُرَدُّ إِلَى أَدْبَارِنَا فَنَرْجِعُ الْقَهْقَرَى خَلْفَنَا لَمْ نَظْفَرْ بِحَاجَتِنَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّدِّ عَلَى الْعَقِبِ، وَأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِكُلِّ طَالِبِ حَاجَةٍ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا: رُدَّ عَلَى عَقِبَيْهِ، فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: وَنُرَدُّ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ فَوَفَّقَنَا لَهُ، فَيَكُونُ مَثَلُنَا فِي ذَلِكَ مَثَلَ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ يَهْوِي فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ. وَقَوْلُهُ: ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾ [الأنعام: ٧١] اسْتَفْعَلَتْهُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هَوَى فُلَانٌ إِلَى كَذَا يَهْوِي إِلَيْهِ، وَمِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: ٣٧] بِمَعْنَى: تَنْزِعُ إِلَيْهِمْ وَتُرِيدُهُمْ. وَأَمَّا حَيْرَانُ: فَإِنَّهُ فَعْلَانُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ حَارَ فُلَانٌ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ


الصفحة التالية