حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: آزَرُ اسْمُ صَنَمٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ [الأنعام: ٧٤] قَالَ: اسْمُ أَبِيهِ، وَيُقَالُ: لَا، بَلِ اسْمُهُ تَارِحٌ، وَاسْمُ الصَّنَمِ آزَرُ، يَقُولُ: أَتَتَّخِذُ آزَرَ أَصْنَامًا آلِهَةً وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ سَبٌّ وَعَيْبٌ بِكَلَامِهِمْ، وَمَعْنَاهُ: مِعْوَجٌّ. كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّهُ عَابَهُ بِزِيغِهِ وَاعْوِجَاجِهِ عَنِ الْحَقِّ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ [الأنعام: ٧٤] بِفَتْحِ (آزَرَ) عَلَى إِتْبَاعِهِ الْأَبَ فِي الْخَفْضِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْمًا أَعْجَمِيًّا فَتَحُوهُ إِذْ لَمْ يَجُرُّوهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَدِينِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ: (آزَرُ)، بِالرَّفْعِ عَلَى النِّدَاءِ، بِمَعْنَى: (يَا آزَرُ). فَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ عَنِ السُّدِّيِّ مِنْ حِكَايَتِهِ أَنَّ آزَرَ اسْمَ صَنَمٍ، وَإِنَّمَا نَصَبَهُ بِمَعْنَى: (أَتَتَّخِذُ آزَرَ أَصْنَامًا آلِهَةً)، فَقَوْلٌ مِنَ الصَّوَابِ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ بَعِيدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا -[٣٤٥]- تَنْصُبَ اسْمًا بِفِعْلٍ بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ، لَا تَقُولُ: أَخَاكَ أَكَلَّمْتَ، وَهِيَ تُرِيدُ: أَكَلَّمْتَ أَخَاكَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ (آزَرَ)، عَلَى إِتْبَاعِهِ إِعْرَابَ (الْأَبِ)، وَأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، فَفُتِحَ إِذْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا لِأَنَّهُ اسْمٌ عَجَمِيُّ. وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ قِرَاءَةُ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ، صَحَّ لَكَ فَتْحُهُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى الْأَبِ، وَلَكِنَّهُ فُتِحَ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْمًا أَعْجَمِيًّا تُرِكَ إِجْرَاؤُهُ، فَفُتِحَ كَمَا فَتَحَ الْعَرَبُ فِي أَسْمَاءِ الْعَجَمِ، أَوْ يَكُونُ نَعْتًا لَهُ، فَيَكُونُ أَيْضًا خَفْضًا بِمَعْنَى تَكْرِيرِ اللَّامِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَجَ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ تُرِكَ إِجْرَاؤُهُ، وَفُعِلَ بِهِ كَمَا يُفْعَلُ بِأَشْكَالِهِ. فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ: أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِجْهَةٌ فِي الصَّوَابِ إِلَّا أَحَدَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ مِنْهُمَا عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ اسْمُ أَبِيهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَبُوهُ. وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَحْفُوظُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي زَعَمَ قَائِلُهُ أَنَّهُ نَعْتٌ. -[٣٤٦]- فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ أَهْلَ الْأَنْسَابِ إِنَّمَا يَنْسِبُونَ إِبْرَاهِيمَ إِلَى تَارِحٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ آزَرُ اسْمًا لَهُ وَالْمَعْرُوفُ بِهِ مِنَ الِاسْمِ تَارِحٌ؟ قِيلَ لَهُ: غَيْرُ مُحَالٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمَانِ، كَمَا لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي دَهْرِنَا هَذَا، وَكَانَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى لَكَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَقَبًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ


الصفحة التالية
Icon