حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ فِيَ يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُ ذَلِكَ كَذَّابَ الْيَمَامَةِ، وَكَذَّابَ صَنْعَاءَ الْعَنْسِيَّ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣] وَلَا تَمَانُعٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ كَانَ مِمَّنْ قَالَ: إِنِّي قَدْ قُلْتُ مِثْلَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ إِسْلَامِهِ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ. فَكَانَ لَا شَكَّ بِذَلِكَ مِنْ قِيلِهِ مُفْتَرِيًا كَذِبًا. وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيَّ الْكَذَّابَيْنِ ادَّعَيَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَنَّهُ بَعَثَهُمَا نَبِيَّيْنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي قِيلِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ مَنْ كَانَ مُخْتَلِقًا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَقَائِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَفِي غَيْرِهِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي قِيلِهِ كَاذِبٌ لَمْ يُوحِ اللَّهُ إِلَيْهِ شَيْئًا. فَأَمَّا التَّنْزِيلُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِسَبَبِ بَعْضِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِسَبَبِ جَمِيعِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِهِ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ، إِذْ كَانَ قَائِلُو ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى -[٤٠٨]- تَرْكِهِمْ نَكِيرَ ذَلِكَ. وَمَعَ تَرْكِهِمْ نَكِيرَهُ، هُمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَذِّبُونَ، وَلِنُبُوَّتِهِ جَاحِدُونَ، وَلِآيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ دَافِعُونَ، فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ادَّعَى عَلَى النُّبُوَّةِ كَاذِبًا وَقَالَ: ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣]، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١]، فَيَنْقُضُ قَوْلَهُ بِقَوْلِهِ، وَيُكَذِّبُ بِالَّذِي تَحَقَّقَهُ، وَيَنْفِي مَا يُثْبِتُهُ، وَذَلِكَ إِذَا تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ الْأَرِيبُ عَلِمَ أَنَّ فَاعِلَهُ مِنْ عَقْلِهِ عَدِيمٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٣]